2 قراءة دقيقة
15 Nov
15Nov

أعزّائي متصفّحي الموقع: إذا كنتم تستفيدون من هذا الموقع ومن أجل استمراره في خدمتكم نرجو التبرّع للموقع على حساب رقم: 205327840
فرع رقم 1
بنك رقم 18
وبارك الله بكم

وصية زهير بن جَناب الكلبي لبنيه.doc

https://youtu.be/HcOS7EAz52g

                                  وصية زهير بن جَناب الكلبي لبنيه


يا بَنِيَّ قَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَبَلَغْتُ حَرْسًا مِنْ دَهْري، فَأَحْكَمَتْني التَّجارِبُ، والأمورُ تَجْرِبَةٌ واخْتِبارٌ، فَاحْفَظُوا عَنِّي ما أقولُ وَعوهُ.
إيَّاكُمْ وَالْخَوَرَ عِنْدَ الْمَصائِبِ، والتَّواكُلَ عِنْدَ النَّوائِبِ؛ فَإِنَّ ذلِكَ داعيَةٌ لِلْغَمِّ، وَشَماتَةٌ للعَدُوِّ، وَسوءُ ظَنٍّ بالرَّبِّ.
وإيَّاكُمْ أنْ تَكونوا بِالْأَحْداثِ مُغْتَرّينَ، وَلَها آمِنينَ، وَمِنْها ساخرينَ؛ فإنَّهُ ما سَخِرَ قَوْمٌ قَطُّ إلَّا ابْتُلُوا؛ ولكنْ تَوَقَّعوها؛ فَإنَّ الإنسانَ في الدُّنْيا غَرَضٌ تَعاوَرَهُ الرُّماةُ، فَمُقَصِّرٌ دونَه، ومُجاوِزٌ لِمَوْضِعِهِ، وَواقِعٌ عَنْ يَمينِهِ وَشِمالِهِ، ثُمَّ لا بُدَّ أنَّهُ يُصيبُهُ.


أوصى زهير بن جناب الكلبي بنيه فقال:
يا بَنِيَّ قدْ كَبِرتْ سِنِّي، وبلغتُ حَرْسًا(حينا أو دهرا وجمعها أحْرُسٌ ) من دهري، فأَحْكَمَتْني التجارِبُ(أي جعلتني خبيرا مجرَّبا)، والأمورُ تجرِبةٌ واختبارٌ، فاحفظوا عني ما أقولُ وَعوهُ.
إياكُمْ والخَوَرَ(الضعف والتلاشي والانكسار: من خوِرَ يخوَرُ) عندَ المصائبِ، والتواكلَ(الاستسلام والاتكال على الغير) ومنه: "المؤمن يجب أن يكون متكلا لا متواكلا" عندَ النوائب؛ فإن ذلك داعيةٌ(سبب) للغَمِّ(الضيق والهم والكرْب والشدة)، وشماتةٌ(فرح لبلية الآخرين) للعدوِّ، وسوءُ ظَنٍّ(شك وارتياب وظن قبيح) بالرَّبِّ.
وإياكمْ أن تكونوا بالأحداثِ(المصائب والنوائب) مُغترّينَ(مخدوعين، ظانين بها الظن الحسن، مطمئنين إليها)، ولها آمنين(مطمئنين)، ومنها ساخرين(غير مقدرين لحقيقتها وهولها وشدتها)؛ فإنَّهُ ما سَخِرَ قومٌ قطُّ إلا ابْتُلُوا(امتحنوا واختبروا أو أصيبوا ببلية وهذا أدقّ للمعنى)؛ ولكنْ تَوَقَّعوها(تحسبوها وتهيأوا لها وتأهبوا كي لا تباغتكم)؛ فإنَّ الإنسانَ في الدنيا غَرَضٌ(هدف) تعاورَهُ(تداولوه وأرادوا إصابته) الرماةُ، فَمُقَصِّرٌ( أي هذا رامٍ أو سهمٌ لم يَطَلْه) دونَه(عنه)، ومُجاوِزٌ(عابر ومتعدٍّ) لموضِعِهِ، وواقعٌ عن يَمينِهِ وشِمالِهِ، ثمَّ لا بُدَّ أنهُ يُصيبُهُ.

 

 

 

شرح الوصية:- 

من أخباره:" وَأَمَّا زهير بن جناب الكلبي فإنه أحد المعمرين ، يقال : إنه عمر مائة وخمسين سنة وهو فيما ذكر ، أحد الذين شربوا الخمر في الجاهلية حتى قتلتهم ، وكان قد بلغ من السن الغاية التي ذكرناها ، فَقال ذات يوم : إن الحي ظاعن.
فَقال عبد الله بن عليم بن جناب : إن الحي مقيم ، فَقال زهير : إن الحي مقيم ، فَقال عبد الله : إن الحي ظاعن ، فَقال : من هذا الذي يخالفني منذ اليوم ؟ قيل : ابن أخيك عبد الله بن عليم ، فَقال : أو ما هاهنا أحد ينهاه عن ذلك ! قَالُوا : لا ، فغضب وَقال : لا أراني قد خولفت ، ثم دعا بالخمر فشربها صرفا بغير مزاج وعلى غير طعام حتى قتلته. وكان زهير يدعى بالكاهن لصواب رأيه..وقد قاتل زهير بكرا وتغلب ابني وائل وأسر كليبا والمهلهل(الزير سالم) ابني ربيعة

 

أقسام الوصية:- 

التمهيد للمتلقين والتوطئة: إنني طعنت في السن وهرمت، ومن ذلك اكتسبت التجربة والحنكة والدربة والخبرة بالأمور والحوادث، فاسمعوا قولي يا أبنائي، احفظوه ورسخوه في أذهانكم وافهموه وأدركوه.

 النصح النفسيّ: احذروا ما يلي: الضعف والانكسار عند حلول المصائب، وإلقاء المسؤوليات مِن إلى بالتواكل، فنتيجة ذلك ما يلي: تهشم الإرادة، وتحطم المعنويَّة، واكتئاب نفسي، وفرح للعدو الخصم الفرح لمصيبتنا شماتة منه بنا، وسوء ظن بالرَّبِّ أي أنَّ الرّبَّ لا يحب المتلاشين المتواكلين، كأنك ترى بالرَّبِّ مخلصا لك، منقذا من كل ورطاتك وأزماتك، فلا لك ذلك إن تلاشيت وتواكلت…

 النّصح الاحترازيّ الاتّقائيّ: احذروا يا بنيَّ مما يلي: الاغترار وانخداع وإحسان الظن بصروف الدهر وتقلباته وتحولاته، الاطمئنان لحدثان الدهر ودولِهِ، الاستهزاء والسخرية مستخفين بوزنها الحقيقي وبأثرها الجسيم عليكم، فنتيجة ذلك ما يلي: السخريَّة(السخريَة) مآلها الابتلاء أي لا بدَّ أن توصلكم السخرية من الأمور وإساءة تقويمها إلى الوقوع بالبلايا الجسام العظام أو إلى موائد اللئام لا يرحمونكم إذ وقعتم وزللتم. وأما الأمر المطلوب منكم لذلك: أن تتوقعوا وتخمنوا وتتهيأوا وتستعدوا وتتحضروا مترقبين متربصين لها خير متربَّص متصيدين لها أفضل متصيَّد فلا تباغتكم وتفاجئكم وتصدمكم وتحطمكم.أما سبب الاحتراز والحيطة والحذر فهو كامن فيما يلي: كون الإنسان في الدنيا وفي هذه الحياة هدفا تتداوله وتبغي النيل منه الحوادث كبُرت أم صغُرت، بين سهم أو مصيبة نازلة بكم كادت توقع بكم، وأخرى تخطتكم وتجاوزتكم وباعدت عنكم، وأخيرةٍ تقترب منكم وتدنو وتوشك أن تصيب، واعلموا أنْ لا بد يوما من أن يصيب الرامي الهدفَ أوِ السهمُ المرميَّةَ.

 

 

شكل وأسلوب:- 

الجمل القصيرة مثل قوله:"أحكمتني التجارب، والأمور تجربة، سوء ظن بالرب…" عد إلى أغراض الجمل القصيرة: إفادة مختصرة لأداء معان مترامية وتكثيف للمعاني في مساحة عقلية صغيرة تسترعي التفات المتلقي – القارئ – ولا تقطع التسلسل الحدثيّ أو الوصفيّ ولتشويق المتلقي لمعرفة معانيها خاصة في القصة القصيرة فلا مجال للاستطراد والإطالة وتجيز الجمل القصيرة انتقالا من وصف أو سرد أو موضوع إلى آخر بسرعة ، وتتيح الإيجاز كي يتسنى للقارئ التفاعل والتجاوب مع الجمل القصيرة المتهافتة عليه وعلى ذهنه ينسقها فيه ويعيد ترتيبها ويستوعبها ويفهمها

التمهيد النفسي المقنع: أنا طاعن بالسن، مجرّب، حكيم، لذا يحق لي نصحكُم، ويجب عليكم الإصغاءُ والاحتفاظُ والإدراكُ والوعيُ لِما أقول: جاء تمهيده مقنعا لأنه بُني على أسس التوجه الخطابيّ السليمة القويمة المستقيمة لا على الالتفاف والاعوجاج والنفاق، فضلا عن أنه مباشر بمعانيه، نافذ بمراميه، واضح بمقاصده، هادف بمآربه، مطمْئن بنواياه، مستراحٌ لسجاياه، مستفاد من كلماته، مستزاد من عظاته. وغرضه التوصل إلى حصول المعنى في نفس المتلقي بحيث لا يشعر بسلاسة الأداء مما يؤدي إلى التسليم بالمعاني المستدرجة والعبارات المتسلسلة كي يتلقاها من حيث يدري أو لا يدري وأكبر أثرها نفسي لدى المتلقي لأنه من باب الملاطفة في الخطاب واستمالة المتلقي بما يؤثره ويأنس إليه أو ما يخوّفه قبل أن يفاجئه المخاطِب

أسلوب التحذير بقوله:" إياكم وَ" وهذا الأسلوب من التنذير بما سيقع، وباب الالتفات إلى المحذَّرِ منه، وتخصيص المخاطب بالضمير "كم"، التماس نبذ وطرح المحذَّر منه، وتعبير عن أهمية المحذِّر ومكانته ليترك أثرا في المحذَّر، وفيها من الأمر التحذيري بالمعنى.

السجع: بقوله:" المصائب، النوائب؛ مغترين، آمنين، ساخرين) والغرض منه: مشابه لأغراض الموسيقا الداخلية: التغني، الانفعال، خلق جو مناسب للصورة المنقولة، تضفي جوا متناغما مع غرض النص، تشارك في أداء المعاني، بالإضافة إلى أن السجع تزيين للنص وتنميق له وتفاخر بالكلمة،واستئناس النفس للكلام ليقع فيها سهلا للفهم وسريعا للحفظ.

الجمل الخبرية: بقوله:" الأمور تجربة، إن الإنسان في الدنيا غرض.. حتى آخر النص" والغرض من الجمل الخبرية: الإفادة المحكمة بالمقاصد، تقديم المعرفة والعلم للمتلقي، علم ويقين المخبِر بالحكم المراد من الإخبار، تقصير الجمل لتتخذ زي الوعظ السل للحفظ، الإفصاح عن علم المخبِر وترك الحكم على أقواله للمتلقي وفي ذلك إسقاط للواجب الخطابي من أداء الرسالة وإلقاء المسؤولية في وعيها على المتلقي.

أسلوب الإقناع والاحتكام إلى المنطق والعقل بالاستئناف والاستدراك: في مثل قوله:" إياكم والخور … فإن ذلك داعية" وقوله:" إياكم أن تكونوا بالأحداث … فإنه.." وقوله:" … ولكن توقعوها"  وهو توصيل فكرة أو رأي للآخرين بالوسائل الخطابية، وذلك كي يلقى المتكلم ترويجا لفكره أو ادعائه، والغرض منه التأثير في النفوس والقلوب والعقول، نشر رأي ما، كسب تأييد لمقولته، دحض المخالفين لرأيه، طمأنة المتلقين، تهدئة الخواطر، تصديق الادعاء أو تكذيبه، كسب ثقة المتلقي.

أسلوب الاستقصاء والاستيعاب: في مثل قوله:" فإن الإنسان في الدنيا غرض…يصيبه" والغرض منه: تناول معنى واستقصاؤه إلى أن لا يترك فيه خاطرا إلا طرقه، ويحصر المعاني المؤداة والمنشودة،ولا يترك مجالا إلا طرقه، ويعرف بالاستيعاب.

أسلوب الحصر: في مثل قوله:" ما سَخِرَ قومٌ قطُّ إلا ابْتُلُواوالغرض منه: إفادة حصر صفة بموصوف، حصر موصوف بصفة، حصر خبر بمبتدإ، حصر خبر بمبتدإ، تقييد المحصور وعدم شيوعه، تقييد المحصور عليه وعدم ذيوعه، نقض احتمالات أخرى قد يتمكن منها المحصور أو المحصور عليه، المبالغة في الإفادة الحصرية، الإخبار عن مخبر عنه بإفراده وبتخصيصه، نفي شيء شائع معتمد بالقطع والجزم.( المحصور هو الشيء المخصص، والمحصور عليه هو الشيء المخصص به، ففي مثل قولنا:" ما أنت إلا نكرة" فأنت: محصور عليه، ونكرة: محصور.)

أسلوب الأمر: في مثل قوله:" احفظوا، عُوْا، توقَّعوا" وللأمر أربع صيغ: فعل الأمر؛ المضارع المقرون بلام الأمر؛ اسم فعل الأمر مثل"عليكم" ، "صه" ، "آمين" وغيرها؛ والمصدر النائب عن فعل الأمر مثل بالوالدين إحسانا أو صبرا في مجال الموت صبرا… والغرض من الأمر: خبر واستخبار، أمر ونهي، دعاء وطلب، عرض وتحضيض، تمنٍّ وتعجب، والإباحة، الإرشاد، الاعتبار، الإكرام، الالتماس، الإنذار، الإهانة، التأديب، التحريم، التخيير، التعجب، التفويض، التكذيب، التلهيف، التمني، الدعاء.

أسلوب النداء: في مثل قوله:" يا بنِيَّ" وقوله:" إياكم" أي استعمال ضمير الحطاب "كم"، والغرض منه: التخصيص، التقرب، التودد، الاستغاثة، الترحم، التعجب، التنبيه، التحسر، التفجع، التعاطف مع المنادى المخاطَب، تفهمه، تقديره، إبراز مكانته لدى المنادي المخاطِب.

الجمل الحكمية: في مثل قوله:" الأمور تجربة" وقوله:" ما سخر قوم قطُّ إلا ابتُلُوا" والغرض من ذلك: والغرض من ذلك التمثيل الأعلى، والشعارية(اتخاذ قول ما شعارا)، وإظهار فلسفة وحكمة القائل، والوعظ الأمثل، والإرشاد الأنبل، والحفظ الأسهل، والوجه الأكمل.

استعمال التشبيه: في مثل قوله:" الإنسان …غرض" والغرض من التشبيه: بيان حال المشبّه ، بيان مكانة المشبّه ، تزيين المشبّه ، تقبيح المشبّه ، تقريب المشبّه من صورة مألوفة ، تبعيد المشبّه من صورة مألوفة، تعظيم المشبه أو تحقيره، تبليغ المشبه إلى المثل الأعلى أو الأدنى، الإقناع والاحتجاج، الإفصاح عن المعاني المشبهة، تقريب المعاني إلى الواقع.

 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة