1 قراءة دقيقة
05 Nov
05Nov

أعزّائي متصفّحي الموقع: إذا كنتم تستفيدون من هذا الموقع ومن أجل استمراره في خدمتكم نرجو التبرّع للموقع على حساب رقم: 205327840
فرع رقم 1
بنك رقم 18
وبارك الله بكم

مسرحيّة الزّير سال1.docx

مسرحيّة الزّير سالم.docx


https://youtu.be/ZwLoX_AtFho


 مسرحيّة الزّير سالم – ألفرد فرج 

تمثل مسرحية »الزير سالم« لكاتبها »ألفريد فرج« المسرحية الأبرز بين إبداعه المسرحي المتميز لغويا، تقنيا من الناحية البنائية، إلي جانب ما يطرحه من رؤي شديدة العمق تنعكس عبرها ثقافته العميقة المستعرضة، مع إلمام ووعي كامل بحضارته المصرية، وتوجهه العروبي، وارتباطه الشديد بواقعه السياسي، وتفاعله مع هذا الواقع ومجادلته له.. وحيث إن واقعه السياسي لم يكن ليسمح بذلك الجدل، ولا يتحمل تلك الليبرالية في ممارساته السياسية.. فكان استدعاء التاريخ وهو وسيلته التي يطرح من خلالها رؤاه لواقعه، وكان التراث العربي بشكل عام، والتاريخ العربي بشكل خاص هو المعين والمنهل الذي يلجأ إليهما للتأكيد علي هوية عربية اهتزت دعائمها بعد هزيمة الخامس من حزيران في العام 1967، وأبدع أيقونته المسرحية »الزير سالم« ارتكازا علي تلك الفترة الصراعية التي تناحرت فيها قبائل البكريين والتغالبة واليمامة في »اليمن« الذي كان سعيدا ولم يعد بعد!! والتقط »ألفريد فرج« تلك الشخصية الجاذبة »الزير سالم« بما تحمله من تناقضات تتعشق في تركيبها خالقة فارسا نبيلا ومحاربا قديرا، وصعلوكا عربيدا، وشاعرا فيلسوفًا يتخذ من غلوائه في كل شيء محورا ارتكازيا تصل به إلي معتنق فلسفي يؤمن بعبثية كل شيء .. فيترك - مختارا - كرسي العرش - رغم استحقاقه له - لشقيقه »كليب« رغم عدم جدارته لهذا العرش، وهو الشخصية المهتزة إلي الحد الذي تسيطر عليه زوجته »جليلة«، ولا يستطيع أن يكشف حقيقة الخديعة والمكيدة التي تدبرها للخلاص من شقيقة »سالم« الذي نعتقد أنه - أي »كليب« يكن له حبا قد لا يسبغه علي طفله القادم، ولكي تضمن أن يرث هذا القادم العرش دون أن يتولاه العم »سالم« من بعد الأب »كليب« وهو كذلك لم يشارك في مقتل الملك السابق الذي حاول الزواج من »جليلة« غصبا، وكان القاتل الحقيقي له هو »سالم« مع ابن العم »جساس« الذي تورط فيما بعد في مقتل »كليب« وهو الحادث الذي تسبب في التناحر بين التغالبة بقيادة »سالم« والبكريين أبناء عمومتهم.. تلك الحرب التي رفع فيها »سالم« مطلبا عبثيا كشرط وحيد لإنهائها »كليب حيا لا مزيد« مستجيبا لصوت »يمامة« ابنة »كليب« وهو صوت دافعه العاطفة وليس العقل الرافض لكل العروض التي تقرها الأعراف البدوية وتقبلها العقلية العربية بثقافتها الصحراوية، يرفض »سالم« كل العروض التي يتقدم بها »مرة« والد جليلة وشيخ البكريين ووالد جساس قاتل »كليب« ذلك الشيخ الذي يقدم فدية قدرها ألفي ناقة مع اثنين من أفضل أبنائه لعدم سفك المزيد من الدماء، ولا يري »سالم« عبثي النزعة في كل ذلك إلا عبثا وهراء دونه »كليب حيا لا مزيد« لتكون الحرب هي المحتكم الوحيد وليكون الخاسر هو الطرفان معا حيث الطاعن والمطعون هو ابن العم، وابن الأخت، أو زوج الأخت أو .. أو .. فوشائج الدم واللغة والوطن والمصير الواحد رابطة بين الجميع.. إلا أن تناقضية البناء في شخصية »سالم« تتلاقي مع رؤيته العبثية وغلوائيته التي لا تقنع بقتل ألف من البكريين، ويوصي بقتل أطفالهم أيضا، وغلوائيته ودمويته لا تعفي من القتل حتي أبناء أخته »اسما« التي ينفطر قلبها تمزيقا حين يقتل »سالم« وتتمازق مشاعرها ما بين حزنها علي مقتل الشقيق، وما بين مشاعر التشفي في قاتل أبنائها وقاتل زوجها، ويستطيع المؤلف بلغته الجميلة وتراكيب جمله ورهافة صياغته لا أن يضع متلقيه في قلب الحدث فحسب.. بل القدرة علي استشعار ما تستشعره هذه الشخصية أو تلك من شخصيات المسرحية المصاغة في بناء درامي فائق.. لكل هذا ولغيره ظلت مسرحية »الزير سالم« التي كتبها ألفريد فرج في النصف الثاني من ستينيات القرن الفائت مغرية وجاذبة للكثير من المخرجين.. وقابلة للتأويلات المتعددة لديهم حسب ثقافة كل منهم وقناعاته ومعتقداته الفكرية والسياسية وحتي الاجتماعية.. كما يحمل النص إلي جانب ذلك أيضا القدرة علي استنفار القدرات التقنية واستفزاز لدي الكثير من المخرجين، بل والممثل أيضا حيث الشخصيات مكتوبة بعناية وحرفية مغرية ومتحدثة للكثير من الممثلين.. الأمر الذي لا يدهشنا حين نجدها مازالت تحظي بنصيب وافر في تقديمها علي خشبة المسرح حتي الآن رغم مرور ما يقارب النصف قرن علي كتابتها.. وعلي هذا المسرح قدمتها فرقة الهواة بقصر ثقافة المنصورة من إخراج »عادل بركات« الذي أفصح منذ بداية العرض عن رؤيته دون مواربة جاعلا »هجرس« ابن »كليب، جليلة« مرتديا ملابس عصريا في حفل تنصيبه علي عرش أبيه ليصبح حاكما للطرفين المتصارعين (البكريين والتغالبة) كبداية لعصر من الوفاق بينهما ومنهيا لصراعات وتناحرات بينهما طال أمدها.. حيث إن »هجرس« هو صيغة توافقية بين الطرفين ووسطية انتمائه للطرفين حال كونه ابنًا للتغالبة من »كليب« وابنًا للبكريين من »جليلة« وللتأكيد علي تلك التوافقية التي يرتضيها الطرفان دون الشعور بالتنازل للطرف الآخر.. وفي حفل تنصيب »هجرس« يتم محاكاة ما مضي من أحداث حتي اللحظة الراهنة، ويستساغ ذلك من الناحية الدرامية لعدم وجود »هجرس« وسط العشيرة منذ ولادته حيث حرصت أمه علي إبعاده خوفا عليه من القتل، وحتي يشتد عوده ويقوي علي الجلوس علي عرش أبيه.. إلا أن المفاجأة هي قدوم »هجرس« بثقافة مغايرة ترتكز علي التوافق بديلا للتناحر.. وهذا هو الخيط الذي التقطه المخرج عادل بركات رابطا ما بينه وبين أحد الأطروحات في المشهد الآني المصري السياسي ولاسيما المشهد الانتخابي الرئاسي، والدعوة إلي التوافق إما رئيس تتوافق عليه القوي والتيارات السياسية المشاركة في المشهد السياسي أو مجلس رئاسي انتقالي يتكون من بعض المرشحين للرئاسة من أصحاب الحظ الأوفر شعبيا في استطلاعات الرأي التي تقوم بها المؤسسات المختلفة المعنية بهذا الشأن.. تلك الرؤية التي أراد »عادل بركات« طرحها هي رؤية مقبولة وأيضا مشروعة.. ولكن هذا الطرح يظل مرهونا بكيفية إدراجه في عمل فني مسرحي بالأساس، والنص الذي اعتمد عليه المخرج به العديد من المشاهد التي تمهد لهذا التوجه منذ البداية.. فهناك التطاحن بين الفرقاء الذين يمارس بعضهم اغتصاب السلطة، والحصول علي »جليلة ابنة مرة« عنوة.. ثم جلوس من لا يستحق بجدارة علي كرسي العرش وممارسة الحكم بشكل مهتز، والخضوع لامرأته وإصدار قرارات خاطئة »نفي سالم خارج العشيرة هائما في الصحراء«، ثم الحرب العبثية بين التغالبة والبكريين، إلي جلوس »هجرس« علي العرش.. كل ذلك مما يكاد يتطابق مع المشهد السياسي الراهن كما أسلفنا.. إلا أن المخرج جعل كل ذلك خارج إطار حساباته في رؤيته الفنية التي اكتفي فيها بمجرد ارتداء »هجرس« لملابس عصرية، ودعوته المباشرة للتوافق والائتلاف حتي لا تحدث الإبادة للجميع.. ذلك دون الإلماح بشكل أو بآخر - كما حدث مع هجرس - في باقي المشاهد إلي تلك الإحالة العصرية التي يمكن تقبلها - بل نراها كانت ضرورية - كما تقبلناها مع »هجرس« وهو الأمر الذي كان يستدعي بالضرورة الخروج من الإطار الزمني الماضوي للأحداث، والخروج بالشخصيات كذلك من تلك الأرضية التاريخية التي كتب الشخصيات بإطارها الزمني، وكبلت حركة الممثلين لثقلها، دون أن تحقق حتي بعدًا إجماليا علي المستوي البصري لتعدد ألوانها كيفما اتفق أو لنقل كيفما توافر في مخازن الملابس دون أن تحقق أدني انسجامية أو هارومونية لونية في هذا الخليط، ودون أن تعكس رعيا لمصممها وارتباطها بدرامية شخصياتها المرتدية لها، وهذا هو الخطأ الأعظم الذي وقع فيه »أحمد أصالة، أمير جاد« اللذان رضخا للاستسهال دون الوعي بدرامية الشخصيات أو حتي رؤية المخرج الذي لا يمكن إعفاؤه من تلك المسئولية، والارتضاء بمثل تلك الملابس »كيفما اتفق« في طرزها وألوانها، كما هو مسئول أيضا عن ديكور »أمير جاد« الذي لم يعكس أية قيمة درامية أو حتي بصرية، ولا يخرج عن كونه ديكورا في مسرحية مدرسية قام بتشكيله وتنفيذه مدرس الرسم بالمدرسة ضحل الخيال ومفتقد لجماليات الصورة البصرية.. حتي حين حاول إعمال خياله وحاول ربط الفرق المتناحرة في العرض بالتيارات الإسلامية المتناحرة في المشهد السياسي المصري الراهن، وذلك عبر لصق قطع من قماش الخيامية مستندا إلي ارتباط ذلك بالظهور والطقوس الإسلامية غاب عن وعيه أن ذلك القماش هو ابن للثقافة العربية في شمولها دون أن يكون قاصرا فقط علي الثقافة الإسلامية.. وكان الديكور في مجمله عبئا علي العرض وليس متعاضدا معه، وكذلك كانت الإضاءة، ولون تلك الشريحة من القماش المتدلية من أعلي والملاصقة للبانوراما في وسط عمق المسرح وارتباطها بكرسي العرش، وكذلك أحصنته القتالية في المعارك بين الطرفين التي جعلتنا نعتقد أننا في عرض للأطفال، وكذلك الصورة الهزيلة التي ظهرت بها »ماسكات« حصاني سالم، جساس .. إلي حد مضحك.. وكذلك أيضا جاءتا الكتلتان علي جانبي خشبة المسرح وكأنها أصنام، أو أجساد موتي ليس لها علاقة بما يدور علي خشبة المسرح!! يا سادة.. كل موتيفة وكل خط وكل لون لابد وأن يكون له ضرورة درامية ويترابط في إجماله بالرؤية الفكرية والغنية التي يقدمها العرض!! وإلا لما سمي بالديكور المسرحي!! له متخصصوه، وإذ آمنا بذلك لما رأينا تلك الجريمة التي ارتكبها »أمير جاد« في هذا العرض، ولما شاهدنا هذا الإهدار للخامات المنعكسة تكلفتها المرتفعة بلا معني!!
وبعيدا عن مسئولية المخرج بدرجة أو بأخري في تلك الجريمة التي ارتكبها مصمم الديكور، وبعيدا عن رؤية المخرج التي حصرها في دور »هجرس« من حيث ارتباط عرضه بالواقع الراهن - إلا »عادل بركات« يحسب له اجتهاده ، ومحاولة تطويع ذلك النص الكلاسيكي إلي حمل رؤية عصرية حتي وإن كانت غير مكتملة علي النحو الذي أسلفناه، كما يحسب له أيضا جهده في التعامل مع هذا العدد الضخم من الممثلين الذين جاء أداؤهم جميعا في تناغم واجتهاد وكل في حدود دوره وعلي رأسهم »محمود الديسطي« في دور »سالم« أداء متفاعل مع المراحل المتعددة للشخصية في صعلكتها وعربدتها في الفيافي، ونبلها في التعامل مع التجني الذي مارسته عليه زوجة شقيقه، والقسوة علي ذاته دون الإساءة إلي »جليلة« رغم أنه كان مخمورا مغيب العقل، وارتضائه النبيل لحكم أخيه عليه دون الدفاع عن نفسه، وكذلك مرحلته العبثية وشقيقه في إسالة دماء العدو، وقناعاته الفلسفية التي عبر عنها في أداء رصين أحيانا وحماسيا، ومتفلنا أحيانًا دون أن يفلت منه بناء تلك الشخصية المعقدة ولو لحظة واحدة، كذلك »أحمد جابر« في دور »مرة« وأدائه الواعي المتسق مع طبيعة الشخصية والتزامها بالعقل وإحساسها بالمرارة طوال الوقت حيث القاتل والمقتول يمت له بصلة قربي، وأيضا »ولاء مصطفي« في دور »جليلة« التي جاء أداؤها لهذا الدور ممسكة بزمام تلك الشخصية القوية الطامحة، الثكلي للزوج والشقيق دون أن تفقد جبروتها وقوة شخصيتها، وهكذا كانت »هبة جمال« في دور »أسماء« ولا سيما تعبيرها المتدفق الممتلئ بالإحساس في مشهد جمعها بجثة شقيقها »سالم« وكذلك فعلت »عبير النجار« في أدائها ليمامة بعد فقدها لأبيها وطلبها المستحيل في عودته والذي تبناه عمها، وأيضا »لوسي فخري« الخاطفة لبصر المتفرج في ظهورها الخاطف بدور »سعاد« وأيضا »محمد خلف« بوعيه باهتزازية شخصية »كليب« وأدائه الناعم المتسق له، ومحاولته المستميتة لتبرئة أخيه في ادعاء زوجته عليه، لإدراكه بحاجته إلي وجود شقيقه بجواره لامتلاكه كل ما يفتقده هو ويحتاجه أيضا، وكذلك »محمود حمدي« في دور »عجيب« الذي أكد أن الممثل هو صانع الدور وليس العكس، وقد خلق تلك البسمة باجتهاده وطاقته المتفجرة بالكوميديا رغم صغر دوره واجتهد أيضا كل من »محمود سليمان، باسم مجدي، شادي محمد، أحمد محمد، محمد أشرف، محمد حازم« الأول في دور الطبيب المتعامل مع النجوم، الآخرون في مجموعة الفرسان.. أما »مصطفي الحنفي« في دور »هجرس« فهو طاقة شابة معبرة ومستشعرة بما تحمله تلك الشخصية من أطروحات عصرية حملها بها المخرج.

 الخلفيّة القصصيّة للمسرحيّة من التّراث : قصّة الزّير سالم:

الزير سالم هو المهلهل عدي بن ربيعة بن الحارث بن تغلب أحد الشعراء العرب، عرف بأبي ليلى، وهو من أبطال العرب المشهورين في الجاهلية، وخال الشاعر امرؤ القيس، وجد الشاعر عمرو بن كلثوم، ونظراً لكثرة مجالسته ولهوه مع النساء في مرحلة شبابه فقد لقّب بزير النساء. وهو من الشخصيات المشهورة على مرّ التاريخ، لذا فقد كانت قصته محوراً للعديد من الأعمال الفنّية، فقصّته غنيّة بالأحداث الاجتماعية والتاريخية التي يمكن الاستخلاص من فحواها العديد من العبر والدروس والمبادئ، وهي تجسد الفترة الزمنية الطويلة المعروفة بحرب البسوس. قصّة الزير سالم تدور أحداث القصة حول كليب أخي الزير سالم زعيم قبيلة ربيعة، والذي كان يحبّ ابنة عمه جليلة حبّاً جمّاً، غير أنّ أباها قام بتزويجها لملك التبع، بعد أن أهدى قبيلتها صناديق مملوءة بالذهب، وعلى أثر ذلك قرر كليب جمع شباب القبيلة، واختبأوا في صناديق ومتاع العروس جليلة، وعندما وصلوا إلى القصر، خرجوا منها فقتلو الملك ليلاً، وفي تلك الفترة كان لا زال الزير سالم طفلاً صغيراً. فعاد كليب بجليلة للقبيلة من جديد، وتزوّجها بعد حين، غير أنّ أخاها جسّاس كان يشعر بغيرة شديدة من كليب، وقد كانت زوجة كليب تكره الزير سالم، لذا فقد كانت تحرّض عليه أخيه كليب، وبعد مرور عدد من السنوات جاء للقبيلة امرأة تسمى البسبوس، وهي أخت الملك التبع، ووضعت ناقتها كأمانة عند جسّاس دون أن تربطها على نحو وثيق، وعندما حلّ رباط الناقة أخذت تتجوّل في أنحاء القبيلة حتى رآها كليب؛ فقتلها عن طريق الخطأ، ونتيجة لذلك نشبت حرب بين بني مرّة قوم جسّاس، وبين بني ربيعة قوم الزير سالم وأخوه كليب، كنتيجة لرفض البسوس عرض كليب بإعطائها مئة ناقة عوضاً عن ناقتها المقتولة. اغتنم جسّاس الفرصة خلال الحرب، حيث ترقّب لزوج أخته جليلة فقتله أمام عينيْ أخته، ولكن لم يعرف بذلك أحد غيرها، وعندما جاء الخبر للزير سالم بمقتل أخيه كليب وهو كالمعتاد في أحد الحانات، حرّم على نفسه الخمر والنساء إلى أن يثأر لأخيه، وكان في ذلك الوقت في العشرين من عمره، وقد استمرّت حرب البسوس بين القبيلتين مدة أربعين سنة، أما جليلة التي كانت قد أنجبت من كليب ولد سمّته باسم الهجرس، فقد تزوّجت في تلك السنوات برجل كبير السن من قبيلة أخرى، وعندما كبر ابنها أخبرته بوالده الحقيقي كليب، فذهب ابنها الهجرس إلى عمّه الزير سالم، وتعاونا معاً من أجل الأخذ بثأرهما وقتل جساس، أما بطل القصّة وهو الزير سالم فقد قتله رجلين من عبيده، وذلك طمعاً في أمواله.

قراءة عصريّة لقصّة الزّير سالم من خلال المسرحيّة:


مسرحيّة الزّير سالم، قراءة تحليليّة:

تدور أحداث هذه المسرحية حول صراع دمويّ تاريخيّ دار بين قبيلتي بكر وتغلب، بحيث يتمثّل هذا الصّراع التّاريخي في مسرحيّة الزير سالم بإضافة عناصر حديثة له تضفي عليه جوًّا من الحياة والرّؤيا العصريّة التي تتمثّل في شخصيّة هِجرِس ابن كليب التّغلبيّ وجليلة البكريّة.

فنشعر بأنّ الكاتب أراد أن يحقّق أهدافه العميقة التي تحمل الفكر الحضاري الليبراليّ، وأن ينشر الوعي في مجتمعه عن طريق هذه الشّخصيّة المؤثّرة المركزيّة في مسرحيّته، فجعلها شابّة ليغرس الأمل في نفوس الشباب والجيل الصّاعد بقدرته على إحداث التّغيير والتأثير في المجتمع، وذلك بالابتعاد عن الأفكار المتحجّرة والعنيدة التي تقبع في فكر الجيل القديم الذي يتمثّل في باقي شخصيّات المسرحية والتي انشغلت في مسألة السّيادة والعرش الملكي مقابل أيّ ثمن حتى لو كان دفع الأرواح، الأمر الذي يضفي طابعا وحشيّا بعيداً عن معاني الإنسانيّة وقيمة الإنسان، فلم يحتسبوا لحرمة روح أو جسد، إنّما القويّ منهم يأكل الضّعيف بلا رحمة طمعًا في الوصول إلى العرش الملكيّ وإثبات القوّة البدنيّة عن طريق قتل الخصم والتغلّب عليه وتحقيق الأخذ بالثّأر كعادة لردّ الكرامة والشرف للآخذ به.

 وهكذا يستمرّ العراك والأخذ بالثّأر في حلقة مفرغة دامت سنين طويلة راح ضحيّته الكثير من الأطفال والنّساء وأفراد من كلتا القبيلتين، ولم يظهر عاقل واحد على الأقل طيلة هذه السنين يضع حدًّا لاستنزاف الدّماء، إلى أن ظهر هجرس حاملا فكرا حضاريّا واعيًا به تتمّ السيطرة على جميع الأطراف المتخاصمة ويكون هو الطّرف الأقوى في المسألة، فينتهج أسلوب الحوار والإقناع ويضع القيمة الإنسانيّة في أعلى المراتب وقبل أيّ هدف آخر مادّيّ فتتغلّب قوّة العقل على قوّة الجسد وتقلب الموازين.

 وهنا نلحظ الفارق الفكري بين الشخصية المتنوّرة التي ترعرعت بعيدًا عن القبيلة وعصبيّتها والتي تنظر إلى الأمور بتعقّل ورويّة مع الحفاظ على سلامة الإنسان وقيمته في الدّرجة الأولى، وبين الشّخصيّة القاسية المتحجّرة فكريّا وعاطفيًّا التي لا تضع الإنسان وقيمته في سلّم أولويّاتها.

  

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة