2 قراءة دقيقة
29 Sep
29Sep

قصيدة ردّوا عليّ الصّبا محمود سامي الباروديّ: 

محمود سامي بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري (1255 هـ / 6 أكتوبر 1839 - 1322 هـ / 12 ديسمبر 1904)، هو شاعر ووزير مصري ولد عام 1838م من أسرة مؤثرة لها صلة بأمور الحكم. نشأ طموحا تبوأ مناصب مهمة بعد أن التحق بالسلك العسكري، وقد ثقف نفسه بالاطلاع على التراث العربي ولا سيما الأدبي؛ فقرأ دواوين الشعراء وحفظ شعرهم وهو في مقتبل عمره. أُعجب بالشعراء المُجددين مثل أبي تمام والبحتري والشريف الرضي والمتنبي وغيرهم، وهو رائد مدرسة الإحياء والبعث في الشعر العربي الحديث، وهي اسم يٌطلق على الحركة الشّعريّة الّتي ظهرت في مصروف أوائل العصر الحديث والتزم الشّعراء حينها مبنى القصيدة الكلاسيكيّة، وإضافة مضامين عصريّة، حيث كان لا بدّ من إحياء الشّعر العربيّ، نظرا لاضمحلال التّعليم والثّقافة آنذاك، ويعود سبب ذلك إلى الظّروف السّياسيّة الاجتماعيّة الّتي مرّت بمصر خاصّة بالشّرق العربيّ عامّة، كما يعتبر الباروديّ أحد زعماء الثورة العرابية. ولقد تولى وزارة الحربية ثم رئاسة الوزراء باختيار الثوار لهُ، ولقب برب السّيف والقلم. مدرسة البعث والإحياء: إنّ القصيدة النّيوكلاسيكيّة في الأدب العربيّ هي نتاج مدرسة البعث والإحياء الكلاسيكيّة العربيّة، وهي حركة أدبيّة تسعى إلى تقليد الشّعر القديم قالبًا، ومحاكاة الشّعر الغنائيّ والمسرحيّ، إلى جانب تأثّرهم بالشّعر الفرنسيّ والأوروبيّ. من روّاد المدرسة الكلاسيكيّة:  محمود سامي الباروديّ، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، محمود ومعروف الرّصافيّ. القصيدة النّيو كلاسيكيّة: تدمج التّسمية بين الحديث (نيو) والقديم(كلاسيك)، ومن هنا يُستخلص أنّ القصائد النيوكلاسيكيّة اتّبعت المبنى القديم المؤلّف من صدر وعجز، قافية موحّدة وغيرها من سمات الشّعر القديم، وكان التّجديد في المضمون. 

استهلّ الباروديّ مطلع قصيدته بالبيت التّالي: ردّوا عليّ الصّبا من عصري الخالي           وهل يعود سواد اللّمة البالي من خلال مطلع القصيدة نلاحظ وجود أسلوب التّصريع بين اللّفظتين (الخالي – البالي). إلّا أنّ الشّاعر جاء بفكرة جديدة وهي الحنين إلى فترة الشّباب (الصّبا) وتحسّره على تلك الأيّام الّتي لن تعود. حيث يمكن الملاحظة أنّ القصيدة بأكملها مبنيّة حسب الطّراز الكلاسيكيّ القديم من حيث المبنى التّقليديّ، إلّا أنّها تنبض بروح جديدة (فكرة جديدة) بعيدة بعدا كليّا عن موضوعات الأدب القديم. البيت الأوّل: لا عيب فيّ سوى حريّة ملكت                                أعنّتي عن قَبول الذّلّ بالمال معاني المفردات: ملكت: سيطرت\ أعنّتي: حبل اللّجام الّذي تُمسك بواسطته الدّابّة. مضمون البيت: يتحدّث الشّاعر عن نفسه قائلا إنّ حرّيته منعته من قبول الذّلّ بالمال، أي أنّ نفسه لم تضعف أمام سطوة المال. الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة: 

  • النّفي: لا عيب
  • المدح بما يشبه الذّمّ: قام الشّاعر بنفي العيب، والإتيان بصفة إيجابيّة تحمل المدح بين طيّاتها وهي عدم قَبول الذّلّ بالمال.
  • التّكرار الحرفيّ: لقد كُرِّرَ حرف اللّام سبع مرّات ممّا أضفى نغمة موسيقيّة داخل البيت.
  • الاستعارة: وهي تشبيه حُذف أحد طرفيه -المشبّه\ المشبّه به- في حال حُذِف المشبّه تكون الاستعارة تصريحيّة، أمّا إذا حُذِف المشبّه به فتكون الاستعارة مكنيّة.
  • وردت في هذا البيت استعارة مكنيّة، في قوله حريّة ملكت أعنّتي، فقد شبّه الشّاعر الحريّة فقوّة مادّيّة، وحذف المشبّه به، فهو يشبّه الإنسان هنا بحيوان مسيطَر عليه بواسطة اللّجام وقد حذف المشّبه به تاركا شيئا من لوازمه وهو اللّجام (أعنّتي)، إنّ الهدف من هذه الاستعارة إظهار الإنسان بضوابطه الأخلاقيّة الاجتماعيّة.
  •  
  • البيت الثّاني:
  • تبعت خطّة آبائي فسرت بها
  •                              على وتيرة آداب وآسال
  • معاني المفردات:
  • خطّة آبائي: سيرتهم وتعاليمهم\ وتيرة: طريقة دائمة\ سرت بها: سرت حسبها\ آسال: شبه، يقولون فلان على آسال من أبيه أي على شبه منه- تأسّل أباه: افتدى به.
  • مضمون البيت:
  • يقول الشّاعر إنه قد سار حسب تعاليم آبائه وأجداده، ولازم ذلك طيلة حياته، يظهر الشّاعر مفتخرا بسلفه، وبالأخلاق الّتي تربّى عليها.

  • الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة:
  • التّرادف: تبعت- سرت والهدف منه التّوكيد من جهة وافتخاره بهذا المسلك من جهة أخرى.
  • كناية: الآباء- كناية عن الأصل.

  • البيت الثّالث:
  • فما يمرّ خيال الغدر في خلدي
  •                           ولا تلوح سمات الشّرّ في خالي
  • معاني المفردات:
  • يمرّ خيال: يخطر بالبال\ الخَلَد: الفكر-القلب\ تلوح: تظهر\ سمات: علامات- صفات.


  • مضمون البيت:
  • يستمرّ الشّاعر بالافتخار بصفاته الحميدة وبما تربّى عليه، فيقول: إنّ الغدر والشّرّ بعيدان كلّ البعد عنه، وإنّه لا يفكّر بها ولا يتخيّلها.
  •  
  •  
  •  
  •  
  • الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة:
  • النّفي: ما يمرّ\ لا يلوح والهدف منه إبعاد الخصائل السّيّئة من نفسه.
  • أسلوب مراعاة النّظير: وهو عبارة عن أسلوب يجمع فيه الشّاعر بين الشّيء ونظيره (شبيهه)
  • (خيال الغدر- سمات الشّرّ\ في خلدي- في خالي)  
  • الهدف منه تأكيد الفكرة 

  • البيت الرّابع:
  • قلبي سليم، ونفسي حرّة، ويدي
  •                                  مأمونة، ولساني غير ختّال
  • معاني المفردات: 
  • قلبي سليم: لا أحمل في قلبي الشّرّ\ نفسي حرّة: عزيزة قويّة، يدي مأمونة: أمينة، ختّال: خدّاع

  • مضمون البيت: 
  • يفتخر الشّاعر بصفاته الحميدة قائلا لا أحمل الشّرّ لأحد، نفسي حرّة، كما ولست بخائن، ولساني لا ينطق إلّا بالخير  

  •  •  ملاحظة: في الأبيات الأربعة الأولى يعبّر الشّاعر عن الصّفات الّتي يعتزّ بها، ويفتخر بوجودها في شخصيّته.

  • البيت الخامس:
  •  
  • لكنّني في زمان عشت مغتربا
  •                                في أهله حين قلّت فيه أمثالي
  •   
  • معاني المفردات:
  • مغترب: غريب- بعيد عن وطنه\ أمثالي: رجال ذوي عزّة وشهامة

  • مضمون البيت:
  • يفتخر بأنّ أشباهه قلائل، ويقول أشعر بأنّي أعيش غريبا لأنّ في هذا الزّمن قلائل مَن هم مثلي.



  • البيت السّادس:
  • بلوتُ دهري، فما أحمدتُ سيرته
  •                                 في سابق من لياليه، ولا تال
  • معاني المفردات:
  • بلوت: امتُحِنْتُ\ ما أُحمِدتُ سيرته: لم أجد سنّته محمودة ليُحمد عليها.
  •  
  • مضمون البيت:
  • يتحدّث الشّاعر عن نفسه قائلا: إنّي لا أستطيع أن أحمد الزّمن لكونه غدارًا حمل بين طيّاته الشّرّ، كما وسوف يأتي بالشّرّ.

  • الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة:
  • الطّباق: سابق- تال، والهدف منه إظهار الشّيء ونقيضه، لإعطاء جوانب الصّورة بالنّسبة لغدر الزّمن وشرّه.


  • البيت السّابع:
  • لم يبق لي في أرب في الدّهر أطلبه
  •                                   إلّا صحابة حرّ صادق الخال
  • معاني المفردات:
  • الأرَب: جمع إربة وهي الحاجة\ صحابة: معاشرة\ صادق الخال: صادق الظّنّ والسّيرة.
  • مضمون البيت:
  • يقول الشّاعر إنّ مطلبي الوحيد في هذه الحياة أن ألقى صديقا جيّدا يكون عند حُسن ظنّي.

  • الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة:
  • النّفي: لم يبق- الغرض منه إظهار استسلام الشّاعر، فهو يستغني عن كلّ شيء، ويبقى مطلبه الوحيد أن يكون له رفيق لدربه المتبقيّة، فهو ينظر إلى الدّهر وكأنّه مخلوق له قرارات وتأثير.  
  • التّشخيص: هو عبارة عن نسبة صفات البشر إلى أفكار مجرّدة أو إلى أمور غير حيّة، إذ يجعل من الدّهر شخصًا ويوّجه إليه طلب منحه صديقا وفيّا.




  • البيت الثّامن:
  • لا في سرنديب لي إلف أجاذبه
  •                              فضل الحديث ولا خلّ فيرعى لي
  • معاني المفردات:
  • سرنديب: جزيرة في المحيط الهنديّ- وهو الجزيرة الّتي نُفيَ إليها شاعرنا بعد مشاركته في ثورة عرابي\ الإلف: المؤنس\ أجاذبه الحديث: أتحدّث إليه\ الفضل: الزّيادة\ الخلّ: الصّديق الودود الوفيّ\ يرعى: يحفظ.

  • مضمون البيت:
  • يقول الشّاعر عندما كنت مسجونًا في أرض المنفى، لم أجد مَن أتبادل الحديث معه، لم أجد رفيقًا يخرجني من ألمي ومللي.
  •  
  • الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة:
  • -النّفي: لا في سرنديب\ لا خلّ.
  •  جاء الشّاعر بهذا النّفي ليشير إلى وحدته القاتلة في بلاد الغربة والمنفى.



  • البيت التّاسع:
  • إذا تلفّتّ لم أُبصر سوى صور
  •                             في الذّهن يرسمها نقّاش آمالي
  • معاني المفردات:
  • يقول الشّاعر عندما أبحث حولي عن حياة الهدوء والطًّمأنينة، لا أجد إلّا صورا وهميّة مرسومة بالنّقش والألوان الجميلة، إلّا أنّها لا تتحقّق.

  • الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة:
  • النّفي- لم أبصر، الغرض منه إشعار القارئ بألم الشّاعر وعاطفته المشتاقة إلى الماضي.
  • الشّرط: إذا تلفّت- لم أبصر- الهدف منه تأكيد سوداويّة نفسيّته وشعوره السّيّء.
  • استعارة مكنيّة في قوله يرسمها نقّاش آمالي، إذ حُذف المشبّه به ليبقى شيء من لوازمه وهو الرّسم، الهدف تقريب الصّورة إلى ذهن المتلقّي، معبّرًا عن اشتياقه إلى الماضي.


  • البيت العاشر:
  •  
  • أصبحت لا أستطيع الثّوب أسحبه
  •                                  وقد أكون وضافي الدّرع سربالي
  • معاني المفردات:
  • أصبحت: صرت\ الضّافي الطّويل المتّسع\ الدّرع: قميص حديديّ يلبسه المحارب في أرض الوغى وقاية لنفسه من ضربات العدوّ.
  • السّربال: القميص.

  • مضمون البيت:
  •  يتحدّث الشّاعر عن نفسه العاجزة الواهنة، فلم يعد قادرًا على حمل ثوبه، وهنا يقوم بمقارنة نفسه بالزّمن الغابر عندما كان باستطاعته حمل الدّرع الواقي.
  •  
  • الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة:
  • النّفي: لا أستطيع والغرض منه إظهار ضعفه وخوره.
  • الكناية: لا أستطيع الثّوب أسحبه- كناية عن ضعفه.



  • البيت الحادي عشر:
  • ولا تكاد يدي تُجري شَبا قلمي
  •                               وكان طوع بناني كلّ عسّال

  • معاني المفردات:
  • شباة القلم: رأسه\ البنان: أطراف الأصابع\ العسّال: الرّمح الطّريّ غير المنكسر.

  • مضمون البيت:
  • إنّ الشّاعر يصف عجزه بقبض القلم وهو الأداة الّتي يعبّر من خلالها عن نفسه كونه شاعرًا، مقارنة مع الماضي، تلك الأيّام الّتي استطاع فيها الإمساك بالرّماح القويّة.

  • شباة القلم- كناية الجزء عن الكلّ والمقصود به هنا هو القلم.
  • يدي تُجري- استعارة- العدف منها توضيح عدم مقدرته على كتابة الشّعر.
  •  
  • البيت الثّاني عشر:
  •  فإن يكن جفّ عودي بعد نضرته
  •                                فالدّهر مصدر إدبار وإقبال
  • معاني المفردات:
  • جفّ عودي: ضعفت\ النّضرة: الحيويّة\ الإدبار: الذّهاب\ الإقبال المجيء.
  •  
  • مضمون البيت:
  • يستمرّ الشّاعر في المقارنة بين ماضيه وحاضره معزّيا نفسه بقوله كنت في صباي حيويًّا نضرًا مليئًا بروح الشّباب، أمّا ضعفي اليوم فهو نتيجة مرضي، وهذه هي حال الدّهر بين إدبار وإقبال.
  •  
  • الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة:
  • جفّ عودي- كناية عن الضّعف والخور، الهدف منها إظهار مدى ضعف الشّاعر ووهنه.
  • التّقسيم- لقد قام بتقسيم الدّهر بين إقبال وإدبار ليستوفيَ المعنى.
  • الطّباق- بين لفظتيّ إدبار وإقبال وذلك من أجل المقارنة بين تقلّبات الدّهر، ليدلّ على عدم الثّبات والاستقرار.
  • الشّرط: فإن جفّ عودي.. الدّهر مصدر إقبال وإدبار، والهدف منه تأكيد تقلّبات الدّهر.
  •  

  • البيت الثّالث عشر:
  • فانظر لقولي تجد نفسي مصوّرة
  •                                  في صفحتيه فقولي خطّ تمثالي
  • معاني المفردات:
  • قولي: أدبي وشعري\ نفسي مصوّرة: أرائي وفلسفتي في الحياة\ صفيحة الشّيء: وجهه\ خطّ: رسم\ تمثالي: خصائصي أي أنّه يمثّل أدبه ويصوّره.

  • مضمون البيت:
  • بالرّغم من كون جسمي ضعيفا، إلّا أنّ أعمالي الأدبيّة ونتاجي الشّعريّ حيّة، فشعري يعكس صباي، يعكس صورتي الحقيقيّة الخالدة، فأنا مَنْ جسّدها على أرض الواقع.


  •  
  • الأساليب والمحسّنات اللّفظيّة:
  •  
  • أسلوب الطّلب: انظروا- الهدف منه لفت انتباه النّاظر إلى ما سيجد في حال أن نظر إلى نتاج الباروديّ الأدبيّ.
  • التّثنية بغرض الجمع، في قوله في صفحتيه، حيث إنّ الكتاب مؤلّف من عدّة صفحات وليس من صفحتين فحسب.  
  • الهدف هو تكثيف المعنى للوقوف على أدب الباروديّ.

  • تلخيص المضمون:
  • يقول الشّاعر في البيت الأوّل:
  • ردّوا عليّ الصّبا من عصري الخالي
  •                                وهل يعود سواد اللّمة البالي؟

  • بالرّغم من أنّ هذا البيت غير مطلوب، إلّا أنّه عبارة عن عتبة القصيدة، إذ استهلّ الشّاعر قصيدته معبّرًا عن كآبته وحزنه الشّديدين لما آل إليه من وضع يُرثى له.

  •   
  •  
  •                 
تم عمل هذا الموقع بواسطة