5 قراءة دقيقة
20 Sep
20Sep

قصّة الرّاية والبراءة - مجيد طوبيا

 قصة الراية والبراءة – 

 

تحليل قصّة الرّاية والبراءة مجيد طوبيا:

مجيد إسحق طوبيا (25 مارس 1938 - 7 أبريل 2022) هو روائيّ وأديب مصريّ. ولد في المنيا بمصر. حاصل على درجة بكالوريوس في الرّياضة والتّربية من كليّة المعلّمين في القاهرة عام 1960، ودبلوم معهد السّيناريو عام 1970، ودبلوم الدّراسات العليا بالإخراج السّينمائيّ من معهد السّينما بالقاهرة عام 1972 مجيد حاصل على وسام العلوم والفنون من الطّبقة الأولى عام 1979، وجائزة الدّولة التّشجيعيّة في الآداب من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعيّة في العام نفسه. بالإضافة إلى جائزة الدّولة التّقديريّة للآداب عام 2014. له الكثير من الأعمال الأدبيّة ما بين قصص وروايات وكذلك أعمال سنيمائيّة.

 عنوان النّصّ: للوهلة الأولى يبدو النّصّ وكأنّه يدمج بين طيّاته كلمتين من حقلين دلالين مختلفين، لا علاقة بينهما، ولكن بعد قراءة النّصّ يتبيّن أنّ العلاقة بين الكلمتين علاقة وطيدة تحمل بين طيّاتها أبعادًا كثيرة، إذ سيأتي الحديث عن عنوان النّصّ وأبعاده في نهاية التّحليل. 

تحليل النّصّ:

انطلقت صفّارة الحكم... لم يغلق أحدنا بابه خجلًا من الآخرين. يستهلّ الكاتب نصّه بالفعل انطلق، وهنا لا بدّ من الوقوف على هذا الفعل معنًى ودلالة، وأثره على أحداث النّصّ، إذ إنّ الفعل انطلق يحمل في معناه الدلاليّ السّرعة والحماس، أمّا إذا تتبّعنا ميزانه الصّرفيّ فهو من الوزن انفعل، هذا الوزن الّذي يدلّ في مطاوعته على التّأثّر، أضف إلى كونه لازمًا فقط، ولكن يبقى السّؤال هنا لم آثَر الكاتب على أن تكون الحماسة والانطلاق مقتصرة على الزّمن الماضي، لِمَ لمْ يقل الكاتب تنطلق صفّارة الحكم؟ سؤال آخر قد يتبادر إلى ذهن القارئ هل سنلمس في طيّات القصّة تأثّرًا ما، إذ إنّ مدلول الوزن يوحي بالتّأثّر. وما يلفت الانتباه أكثر أنّ الكاتب يبدأ نّهاية الشّوط، إذ بالرّغم من الحماس الّذي ساد في مدلول الفعل انطلق إلّا أنّ وضعيّة الفريق في نهاية الشّوط تقبع تحت مسمّى الانهزام، الّذي سرعان ما يتحوّل إلى الخطوة الأولى في سبيل النّصر، إذ إنّ ما قلب موازين الأمور هو الحنان الأبويّ الّذي جمعهم فيه المدرّب، متوجّهًا إليهم طالبًا منهم الفوز، كونهم يلعبون في أرضهم. وهنا لا بدّ من لفت الانتباه إلى حضور الأرض ومعناها- إذ سأربط ذلك مع التّحليل فيما بعد. إنّ هذا التّوجّه الحنون قلب موازين الشّوط الثّاني وكانت النّتيجة الانتصار، ليس الانتصار فحسب، إنّما الطّموح إلى الكأس في القسم الأوّل من القصّة نرى هيمنة واضحة لاستعمال ضمير المتكلّمين المسند إلى الأفعال الماضية والمضارعة، مثل: (انتصرنا، اتّجهنا، نتبادل) وغيرها)، إذ يدلّ ذلك على استمرار المفهوم الجماعيّ منذ اللّحظة الأولى لبداية المباراة وحتّى الآن، إذ إنّ قيمة الكلمة الطّيّبة الّتي قالها المدرّب امتدّ تأثيرها وصولًا إلى اللّحظة الآنيّة في قوله: (نتبادل، نتحادث، نتخاطف، نتناول). وهنا لا بدّ من الوقوف على دلالة الوزن تفاعل، إذ إنّ الدّلالة الأولى والأقوى هي المشاركة، ولذا فإن وقفنا على حضور الجماعة في القسم الأوّل من القصّة، فيمكن تلخيصه في نقطتين: الأولى ضمير الجماعة بارز الحضور كما ذُكِرَ آنفًا، واستعمال أفعال من الوزن افتعل كذلك الأمر والّتي تحتاج إلى المشاركة، والمشاركة جماعة. أمر إضافيّ لا بدّ من لفت الانتباه إليه هو هيمنة الحال في قوله: صائحين، صاخبين نشوانين، إذ إنّ تكرار الحال في مدلولها السّعيد بين الحماسة والأحاسيس له ما له من إبراز نفسيّة الرّاوي السّعيدة في بداية أحداث النّصّ، وهنا يأتي السّؤال التّالي هل سعادة الرّاوي المطلقة ستتأثر أم لا، إنّ التّفكير في هذه الأسئلة يصبغ عقل القارئ بما يٌعرف بأسلوب التّشويق. القسم الثّاني:  ونحن نجفّف...ليأتِ وسوف نرىفي هذا المقطع من النّصّ يدور حوار بين الرّاوي (لا اسم له) والشّخصية الأولى الّتي تحمل اسمًا "فاروق غرباويّ"، والفاروق لغة هو االّذي يفرّق بين الحقّ والباطل، إنّ الاسم يحمل بين طيّاته نذير نقطة تحوّل، إذ ورد هذا التّحوّل جليًّا عند سماع خبر مجيء ناظر (مدير) جديد مناقض في شخصه للنّاظر السّابق، إذ إنّ السّابق كان رجلًا طيّبًا، أمّا القادم فهو حازم صارم عنيف، فهل هذا الصّارم الحازم سوف يأخذ صفته هذه من أجل أن يفرّق بين الحقّ والباطل أو لا؟ إنّ هذه الصّفات هي تمهيد لحبكة النّصّ، فبعد أن اعتاد الطّلّاب على ناظر جيّد الصّفات، ستنقلب أمورهم جذريًّا، إذ عليهم الآن التّعامل مع إنسان قاسٍ، جاء عنه أنّه يؤدّب مدرسة المشاغبين خلال عام واحد، ولكنّ الرّاوي لا يأبه للحديث المطروح قائلًا يؤدّبنا من أجل ماذا؟ ليأتِ وسوف نرى- إنّ هذه العبارة تحمل بين طيّانها تحدّيًا مباشرًا. إذ إنّ التّحدّي الأوّل برز جليًّا واضحًا في تحدّي الفريق الخصم في شوط المباراة الثّاني، أمّا التّحدّي الثّاني فهو تحدّي الطّلّاب لهذا المدير الجديد. لا بدّ هنا من الإشادة إلى أنّ فكرة التّحدّي ستأخذ ضروبًا عدّة خلال أحداث النّصّ. تجدر الإشارة من خلال الحوار إلى تأثير الأحداث في نفوس الطّلّاب، إذ بعد أن امتلكتهم السّعادة في مستهلّ القصّة، نراهم الآن في وضعيّة ما بين بين، فقسم منهم يأخذ مجيء المدير الجديد على محمل الجدّ وآخرون لا يأبهون لأمره البتّة لأنّهم يعرفون أنّه ما مِن خطأ فعلوه قطّ ليؤدّبهم، فالآن نلاحظ أنّ نفسيّة الطّلّاب في تحدّ أيضًا.    في الخارج... بعد أن تعاهدنا على الوفاء وعلى دوام المحبّة مدى العمر. إنّ هذه الفقرة تحمل بيت طيّاتها أبعادًا كثيرة، ومن بينها وضوح سعادة التّلاميذ بالرّغم من وجود ما يخيفهم في خلفيّة الأحداث وهو قدوم النّاظر الجديد (بكلمات أخرى تحدّ شعوريّ)، إذ  يمكن لمس التّحدّي الكامن في نفس الرّاوي ونفوس زملائه، فحتّى هذه اللّحظة ينظر الرّاوي إلى مدرسته على أنّها الأفضل بشموخها، والرّاية الأسمى شامخة ترفرف طوال الوقت، إنّ هذه الفقرة تحمل كذلك بعدًا زمنيّا مبطّنًا يصبّ في أمل الرّاوي وتحديه للحفاظ على الأمور كما يحبّ أن يراها، فالمدرسة ورايتها هما الأهمّ بالنّسبة له، ففي كينونة نفسه يعلم أنّ التّغيير آتٍ لا محالة، ولكن بإصراره هو يتحدّى التّغيير قبل حدوثه، إذ يطمح في الحفاظ على الكأس (وهذا بعينه تحدٍّ أيضًا)، يتحدّى العادات والتّقاليد من خلال سيره بجانب حبيبته نادية متحدّيًا العالم بأسره معلنًا حبّه الأبديّ لها. وإذا دمجنا هذا التّحدّي مع الزّمن فنرى أنّ طموح الرّاوي يكمن  في أن تبقى الرّاية مرفوعة مرفرفة دائمًا، وقد ظهر ذلك من خلال قوله: تستقبل الشّمس في شروقها وتودّعها في غروبها، إذ إنّ للشّروق والغروب دلالة على الاستمراريّة، كذلك تظهر الاستمراريّة في أمله في الحفاظ على الكأس وتعهّده في وفائه تجاه حبيبته. تجدر الإشارة إلى الجملة الأخيرة من الفقرة: وسرنا وقتًا، ثمّ افترقنا بعد أن تعاهدنا على الوفاء وعلى دوام المحبّة مدى العمر... إنّ لهذه الجملة أبعادًا كثيرة، بداية من استعمال كلمة تفرّقنا، إذ إنّ وبعد قراءة النّصّ نلاحظ أنّ التّفرّق كان حليف الفريق في نهاية النّصّ وحليف الحبيبيْن، إذ إنّ الرّاوي لم يلحق بحبيبته كعادته، وقد تركها وحدها. وإذا ربطنا هذه الجملة بفكرة التّحدّي الكامنة بين طيّات النّصّ، فنجد أنّ العهد بالوفاء والمحبّة ما هو إلّا تحدٍّ بارز للظّروف، إذ إنّ الرّاوي يرمي في جملته هذه إلى أنّه يريد تحدّي كلّ ما قد يؤثّر في هذه العلاقة هادفًا إلى الحفاظ على حبّهما. بعد أسبوع... غير واثقة. تتجلّى حبكة النّصّ في هذه الفقرة، إذ وقف النّاظر القديم مودّعًا طلّابه، راجيًا للجميع التّوفيق والنّجاح، والحفاظ على النّتائج المعهودة ، هذا من جهة أمّا من جهة أخرى فقد ظهر صراع الشّخصيّات ما بين ما طُلبَ منهم وما سيلاقونه مع النّاظر الجديد ذي الأوصاف السّلبيّة الّتي وُصِفَ بها، وصولًا إلى نهجه فصل كلّ مَن لا يروق له، ولكن بالرّغم من هذا الصّراع يحاول الطّلّاب إظهار أنفسهم أكثر قوّة من الوضع القائم، فكان ردّ فعلهم الضّحك بسخرية، ولكنّها جافّة مرعوشة غير واثقة، إذ إنّ هذه الجملة وحدها كفيلة للإشارة إلى الصّراع القائم في نفوسهم هذا من جهة، ولكن من جهة أخرى ما زالت روح التّحدّي ظاهرة للعيان في نفوسهم وقد ظهر ذلك بضحكتهم السّاخرة، وما يلفت الانتباه هنا جملة "شعرتُ بها جافّة مرعوشة غير واثقة، وهنا يأتي السّؤال هل لعدم الوثوق علاقة بفكرة التّحدّي واستمراره؟ وعلى الفور... العتيد. يبدو الرّاوي حزينًا منقبضًا إلى أن التقى نادية، ولكنّ الانقباض لم ينته، فالرّاوي يبحث عن سعادة مؤقّتة ليخرج من انقباضه، وإذ به يرى أطلال الفراعنة، والماعز تتجمّع حول تمثال الفرعون العتيد، وهنا إشارة إلى الظّلم والقوّة من جهة، والتّحدّي من جهة أخرى إذ إنّ للفراعنة باع تاريخيّ في البطش والقسوة، أمّا بالنّسبة لما ما وراء السّطور، فشخصيّة فرعون تتمثّل بشخصيّة النّاظر الجديد الصّارم، فهل سيستطيع الطّلّاب تحدّي الفرعون الجديد القادم إلى صرح مدرستهم؟تجدر الإشارة إلى وجود التّعبير كباش الغجر في نهاية الفقرة، ولهذا التّعبير بعد كبير مؤثّر في الفكرة ما وراء النّصّ، فالكبش حيوان  وديع مطيع معتاد على حياة القطيع، هذا في المستوى الأوّل، أمّا المستوى الثّاني فلوجود كبش الغجر أمام فرعون العتيد أي تلميح لوجود الضّعيف أمام القويّ (التّلامذ أمام النّاظر)، وهنا إشارة واضحة إلى تتمّة أحداث القصّة، فوقوف الكاتب على أهميّة الكلأ بالنّسبة للكبش ما هي إلّا دلالة واضحة على نقد لاذع وخصوصًا أنّ هذا الكبش يتقافز حول تمثال الفرعون، إذ إن لفي هذه التّعبير دلالة واضحة على فئة النّاس الرّاضخة للبطش مجرّد أن تملأ معدتها بالطّعام، والمقصود هنا تقبّل الذّلّ والرّضوخ أمامه على أنّه نهج حياة عاديّ، وهذا ما حصل لاحقًا للأساتذة والطّلّاب مع قدوم النّاظر الجديد، فتهديد الفصل أسكت المقاومة، إذ اكتفوْا بالانصياع.فضلًا عمّا ذُكِر أعلاه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كلمة الغجر لم تأتِ صدفةـ، إذ إنّ الغجر كان لهم باع تاريخيّ عريق، فقد تعرّضوا إلى الكثير من الاضطهاد والقسوة على مرّ التّاريخ، وهذا يتّصل مباشرة على القسوة الّتي تعرّض لها التّلاميذ وصولًا إلى الانصياع التّامّ والرّضوخ المطلق. "في مصر يعود تاريخ الغجر، كما يروي المؤرخ «سفاتيك» إلى قرون عديدة، وينتشر الغجر في عدة مدن مصرية أغلبها في الصعيد المصري"،[1] وفي قراءة بعض المقالات اتّضح أنّ الغجر لاقَوا ما لاقوه من طغيان على مرّ التّاريخ، إذ يتّصل ذلك مباشرة في هذا العمل الأدبيّ مع ما لاقى التّلاميذ من قسوة الفرعون المستبدّ النّاظر الجديد، وبكون أحداث القصّة في الصّعيد المصريّ. ما يثير الانتباه في هذه الفقرة أنّ لغة الجماعة قد اضمحلّت، إذ نلمس حضور ضمير المتكلّم المفرد في كلمات عدّة، مثل: تملّكني، قلبي، لم يزايلني، لاقيت، هذا من جهة أمّا من جهة أخرى فالعدد قلّ تدريجيًّاـ، إذ إنّ مستهلّ القصّة حمل بين طيّاته تلاميذ مدرسة بأكملها، والآن قلّت الرّوح الجماعيّة ليشير الكاتب إلى وجود شخصين لا أكثر الرّاوي وحبيبته.  تجدر الإشارة إلى أنّ ضمير الجماعة سيعاود الحضور، ولكن ليس بالهُويّة الجماعيّة المتعارف عليها في بداية النّصّ. مضى أسبوع...طفولته. تتحدّث الفقرة عن وصول النّاظر الجديد، غير المرئيّ، حبيس المكتب ذي الأوصاف البشعة، إذ راح كلّ طالب يتخيّل النّاظر وفق تخيّله لشخصيّة الغول في قصص الأطفال. تجدر الإشارة أنّه بالرّغم من حضور ضمير الجماعة، ولكنّ الفكرة فردانيّةـ فإذا قارنّا ذلك مع الهويّة الجماعيّة في بداية النّصّ حول الفوز مهما كلّف الأمر من ثمن، نجد هنا أنّ النّظرة الجماعيّة إلى المدير على أنّه غول أصبحت نظرة فرديّة خاصّة لكلّ طالب وآخر، فكلّ منهم يتخيّله كيفما يحلو له. تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الضّبابيّة الموجودة حول شخص المدير، بوجوده في المدرسة أو عدمه، بأوصافه، وبالتّخيّل الذّاتيّ لكلّ طالب وآخر، ما هي إلّا إشارة واضحة إلى أحداث القصّة الآتية، إذ سنلمس فيما بعد أحداثًا ضبابيّة داخل النّصّ مع بداية... وكيف سيفعل بنا ذلك. تتصاعد وتيرة الأحداث ليحد الطّلّاب أنفسهم أمام مدرسة موصدة أبوابها، دون سابق إنذار، أمر لم يعتادوا عليه فيما قبل وعندها يقرّرون في اليوم التّالي التّوجّه إلى المدرسة باكرًا، أملًا برؤية النّاظر الجديد، أو بسبب خوفهم من صيته، أمّا الرّاوي فيظهر مشغول البال بالنّسبة لأسباب التأديب الّتي سيتّبعها النّاظر الجديد، وكيف سيكون ذلك؟ تجدر الإشارة إلى كون الصّراع الّذي يعيشه الرّاوي جليًّا بارزًا، فمن خلال الصّراع الكامن في شخص الرّاوي يشوّقنا الكاتب إلى معرفة سبب إغلاق بوابة المدرسة، لمَ كان الإغلاق دون سابق إنذار، الخطوة التّالية الّتي سينتهجها الطّلّاب، هل سيستطيع النّاظر تأديبهم؟ ولكن ما يلفت الانتباه هنا هو بدء الرّاوي بالانزواء وحده، مبتعدًا عن المجموعة، فبالرّغم من حضوره برفقة المجموعة، إلّا أنّ الرّوح الجماعيّة آخذة بالتّلاشي شيئًا فشيئًا، فقد أصبح الطّلّاب في مرحلة التّفكير الذّاتيّة الخاصّة، وهذا الأمر يتّصل مباشرة مع فشل المقاومة، فلو تخيّلنا أنّ الرّوح الجماعيّة مترابطة فكريًّا واجتماعيًّا لكان من المفروض أن ينجح التّمرّد، ولذلك لا بدّ من الإشارة أنّ الاتّحاد قوّة ليس في العدد فقط، إنّما في الفكر.   دقّ النّاقوس... خطّان لكلّ فصل يقف تلاميذه بينهما. في هذه الفقرة يبدأ التّغير ظاهرًا للعيان، عندما فوجئ الطّلّاب بصباح يحمل بين طيّاته أمورًا ضبابيّة غير مألوفة، إذ منع المعلّمون دخول الطّلّاب الفصل مستعملين العصي، طالبين منهم الوقوف في صفوف، إنّ التّغيير الحاصل دون سابق إنذار عدا عن كونه مفاجئًا، سيصحب تداعيات قاسية. وهذا ما سيظهر في الفقرة التّالية. أبدع الكاتب في اختيار مستهلّ الفقرة بقوله دقّ النّاقوس، إذ يحمل هذا التّعبير بين طيّاته اتّجاهيْ تفكير، ففي المستوى الأوّل يدور الحديث عن جرس المدرسة المعتاد قرعه صبيحة كلّ يوم، أمّا في المستوى الثّاني، إنّ تعبير دقّ النّاقوس يدلّ على الخطر الآتي، ويردف قائلًا أغلقت البّوابة الحديديّة، إنّ صلابة الموقف وقساوته ليس فقط من خلال الاحداث، إنّما يمكن لمسه أيضًا في انتقاء الكاتب لكلماته، مثل: دقّ النّاقوس، البوابة الحديديّة، يمنعونا، عصي قصيرة، الوقوف بين خطّين. إضافة إلى ذلك، إنّ رسم الخطوط له ما له من تداعيات حول كبت الحريّة، فالخطوط هي الحدود، إذ إنّ حدود الطّلّاب الآن معروفة، ولا يمكن تعدّيها، وهنا إشارة إلى عدم المقدرة على الوقوف أمام المدير، وعد المقدرة على إرجاع الوضع إلى سابق عهده، إذ انحصر الطّلّاب حتّى نهاية أحداث القصّة ضمن خطوط مستبدّة رسمها شخص مستبدّ. قاومنا في البداية...وبلا عصا في يده ووجه مستدير متهجّم. إنّ المقاومة هي ردّ الفعل المتوقَّع، ولكن اللّافت للانتباه أنّ هذه المقاومة ما أن بدأت قد انتهت فورًا، وساد الصّمت دون أن ينبسّ الطّلّاب ببنت شفة، إنّما على العكس وقفوا منصاعين كفرقة جيش أمام شخص مختلف عمّا تخيّلوه، فهو متوسّط الطّول، ضخم البدن، منتفخ البطن وبلا عنق، وبلا عصا في يده، ووجه مستدير متهجّم. فالنّاظر الجديد تختلف صفاته عمّا خُيّل إليهم في البداية، ولذا فيوجّه الكاتب ضمن هذه الفقرة نقدًا لاذعًا مبطّنًا، فقد كان بالإمكان استمرار التّمرّد، ولكنّ الانصياع كان الأقوى. بالرّغم من أنّ المدير لا يحمل عصًا والهدوء كان رهبة وفضولًا ليس إلّا. فهنا يرمي الكاتب إلى أنّ الواقع أخفّ وطأة وحدّة، وبالرّغم من ذلك آثر الطّلّاب الانصياع التّامّ. تجدر الإشارة إلى أنّ المدير لم يحمل عصًا بيده، أمّا في الفقرة السّابقة، فقد حمل المدرّسون العصي متحدّين تمرّد الطّلّاب، وهنا نقد لاذع مبطّن، إذ إنّه لَمِنَ العادة أن يكون المستبدّ في السّلطة هو الآمر النّاهي، الّذي يَصعُبُ اتّهامه، أمّا المتّهم الفعليّ فهم الموظّفون الّذين يكونون تحت إمرته، وهذا ما يحصل في المجتمعات الاستبداديّة، إذ يأتي المستبدّ ليقسم المجتمع بين مؤيّد ومعارض، فينشغل الطّرفان ببعضهما البعض، أمّا هو فيقف ليشاهد مجريات الأمور. 

ملحوظة: بالنّسبة للشّخصيّات ورمزيّتها، سأتطرّق إليها في تتمّة التّحليل. لاحظنا... عند أسفل الرّاية. يبرز في هذه الفقرة جليًّا خوف المدرّسين ووقوفهم تأهّبًا أمام هذا النّاظر، وهنا يمكن النّظر إلى هؤلاء المدرّسين في منظاريْن، الأوّل كونهم عبدًا مأمورًا وما في يدهم أي حيلة، أمّا المنظور الثّاني، فيمكن توجيه أصبع اتّهام ونقد لاذع لشخصهم، إذ إنّ المعلّم هو حلقة الوصل بين الطّالب والإدارة، ومن المفروض أن يكون المثل الأعلى لطلّابه، فبمجرّد أن خضع هؤلاء المدرّسون للمدير ولم يحرّكوا ساكنًا ، فقد غرسوا في نفوس تلاميذهم معنى السّكوت عن الخطأ، والإذعان بغير حقّ، إذ إنّ لهاتين الخصلتين دور رئيس في خراب وهلاك الجيل النّاشئ، فقد كان بالإمكان أن يقف المدرّسون في صفّ الطّلاب بُغية تغيير وضع قائم ومفروض دون ارتكابهم أي ذنب. تجدر الإشارة إلى أنّ الجملة الأخيرة في الفقرة انتقاها الكاتب لتعبّر عن نفسيّة الطّلّاب المحطّمة، فبقوله: "لاحظت أنّ راية المدرسة منكّسة عند أسفل الرّاية، فنجد أنّ كلمتي أسفل ومنكّسة تتبعان لحقل الانكسار، وقد تجلّى الانكسار هنا في محاور أربعة: الأوّل: تنكيس الرّاية. الثّاني: انكسار المعلّمين أمام بطش المدير. الثّالث: تغيّر نظرة الطّلّاب بالنّسبة لمعلّميهم، فالمعلّم لم يحافظ على كونه مثلًا أعلى. الرّابع: الانكسار المعنويّ الّذي عانى منه الطّلّاب بسبب هذا النّاظر. وإذا جمعنا محور الإدارة الّذي يتمثّل بالمدير، ومحور الهيئة التّدريسيّة ومحور الطّلّاب، فنجد أنّ دعائم المدرسة قد انهارت، وانهيار مدرسة يعني انهيار أجيال، ما يشدّ الانتباه هنا ورود كلمة لا تفارقه\ لا تفارق مرّتين، وفي هذين التّعبيريْن دلالة واضحة أنّ حالة التّأهّب الّتي لا حاجة لها هي مَن أعطى الدّافعيّة لهذا البطش أن يستمرّ. فأعود وأذكر كان بالإمكان أن تغيير الوضع بالعزيمة والإصرار. ولكنّ العزيمة والإصرار لا تقتصر على لعبة كرة قدم، إنّما العزيمة هي في المواقف الأهمّ وهذا ما انتقصَ عند الطّلّاب والمدرّسين.   فجأة... نترقّب ردّ فعل الوجه المتهجّم. تتجلّى في هذه الفقرة محاولة طلّاب المدرسة تغيير الوضع القائم، إلّا أنّ المفاجئ في الأمر هو إسراع المعلّمين في إسكات الطّلّاب، بدلًا من الوقوف في صفّهم، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الكاتب يوجّه انتقادًا لاذعًا إلى شريحة المجتمع الّتي ترضى بالمسلّمات المغلوطة خوفًا ورهبة، إذ إنّ هذه المجموعة هي الخطوة الأولى في هدم المجتمع. تجدر الإشارة إلى أنّ طلّاب المدرسة ما زالوا يبدون رغبة في إرجاع الوضع إلى سابق عهده، ولكنّ بنت العقل (الفكرة)، لا يكفي أن تبقى مجرّد فكرةـ، إنّما يجب التّمسّك بها وإحباط كلّ ما قد يتصدّاها.         لم يخرج... مهدودي الحيل. تتفاقم حبكة النّصّ ليصل الوضع إلى عقاب بغير ذنب، إذ بقي الطّلّاب معاقبين مدّة يوم كامل، وانصرفوا إلى بيوتهم متعبين. بالنّسبة للتعبير مهدودي الحيل لا بدّ من الإشارة إلى أنّه يحمل بين طيّاته مدلول التّعب النّفسيّ والجسديّ على حدّ سواء. إضافة إلى ذلك تمكن الملاحظة أنّ هذا المستبدّ لا يقوم بشيء سوى إعطاء تعليمات لا غير، والجموع ترضخ إلى تعليماته بدلًا من مقاومتها وصدّها، وهنا تكمن الإشارة إلى أنّ زرع الفكرة داخل رأس الآخرين ليس بالصّعب، ولذا فقد كان من الأجدى أنّ يزرع التّلاميذ فكرة المقاومة في رؤوس أساتذتهم، وليس العكس، إذ إنّهم الجماعة، أمّا المدير فهو فرد لا غير، ومن البديهيّ أن يكون تأثير الجماعة في الفرد أقوى وأسهل من تأثير الفرد في الجماعة.   اليوم الثّالث... لا بدّ أنّ بيننا وشاة أبلغوه فمن يكونون؟ من خلال هذه الفقرة تكمن أبعاد جليّة، إذ يدور الحديث عن الطّلّاب العشرة المفصولين نتيجة الضّحك والصّراخ الّذي بدر منهم في اليوم السّابق، إذ يُؤمر الطّلّاب بالوقوف تحت الرّاية المنكّسة بهدف فصلهم فصلًا نهائيًّا عن الدّراسة، وما يشدّ الانتباه كون هؤلاء العشرة من المسؤولين عمّا حدث أمس، وهنا يشير الكاتب بإصبع الاتّهام إلى موضوع الفساد والوشاية، ليجعله في المستوى الأوّل بين فئات تتبع للمؤسّسة التعليميّة، إلّا أنّ رمزيّته أبعد بكثير، إذ سأقف على الرّمزيّة وأبعادها فيما بعد. تجدر الإشارة إلى وجود الكثير من الكلمات ذات المنحى الشّعوريّ بالإحباط، ومن بينها:  الرّاية المنكّسة، صاعق، الفصل، بلا رجعة، ألجمتنا، واجمين، متباطئين في انكسار، عدم تصديق، وشاة. إنّ هذه الكلمات تصطفّ في حقل دلاليّ شعوريّ حزين، إذ إنّ للحزن هنا مناحيَ عدّة، وهي: الأوّل: تنكيس الرّاية. الثّاني: العقاب المجحف دون ذنب يُذكر. الثّالث: عدم تحريك أي ساكن من قِبَل الهيئات المسؤولة. الرّابع: وجود وشاة في هذه المؤسّسة التّربويّة. تجدر الإشارة كذلك إلى وقع كلمة متباطئين في هذه الفقرة، إذ إنّ التّباطؤ عمليّة بالإمكان السّيطرة عليها، وبما أنّهم خرجوا متباطئين، فهذا يدلّ على أنّهم خرجوا رغمًا عن أنوفهم، وليس بإرادتهم. وما يشدّ الانتباه أكثر في هذه الفقرة، هو خمول الرّاوي، إذ أرى به راويًا مشاركًا مشرفًا كليّا معلّقًا لا بطل وسأتحدث عن ذلك عندما أصل إلى تحليل شخصيّة الرّاوي، فها هو الرّاوي يقرّ بأنّه يعلم من هم المسؤولون حول ما حدث أمس، فالسّؤال الأوّل لِمَ لمْ ينضمّ إليهم، لِمَ آثَر الخضوع؟ لمَ تغنّى في بداية النّصّ بروح الجماعة، والآن هو لا يمتّ بصلة إليهم  إنّ هذه الأسئلة تجعل من القارئ أو المحلّل أن يرى الرّاوي لا بطل بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى.   بعد إغلاق... وللتّوّ أحسستُ بها غريبة عنّي. في هذه الفقرة يعبّر الرّاوي صراحة عن التّغيير الّذي حصل تجاه الرّاية بعد أن طلب منهم مدرّس الألعاب تحيّة الرّاية، إذ امتلأت عينا الرّاوي بالدّموع، وأحسّ بقبضة تخنقه، فهذه الرّاية لم تعد مثلما كانت من ذي قبل، ليس ذلك فحسب، إنّما أصبحت غريبة عنه. وهنا لا بدّ من الوقوف على المعنى الكامن ما بين السّطور، إذ أنّ الكاتب يوجّه نقدًا لكلّ مَن كان له صلة بما سبّب تنكيس الرّاية، لأنّ هذا الحدث الغريب جعل من الرّاوي غريبًا من جهة، ومستغربًا من جهة من تصرّف المدرّسين عمومًا ومدرّس الألعاب خصوصًا. إنّ ما وصل إليه الرّاوي يؤكّد أنّه لا بطل، فلو كان بطلًا لعرف كيف يصدّ المدرّسين، لو كان بطلًا لأعطى لنفسه شرف المحاولة، لو كان بطلًا لتمسّك بالرّاية ولم يتنازل عنها. تجدر الإشارة إلى المفارقة بالنّسبة لشخص المدرّب الرّياضيّ، ففي بداية القصّة أُطلِقَ عليه اسم المدرّب، أمّا في هذه الفقرة فهو مدرّس الألعاب، إنّ هذه التّسمية كفيلة بأن تعكس مكانة المدرّسين بالنّسبة لطلّابهم.   أثناء الحصص... وساطة أو ترحّم. إنّ وتيرة الأحداث تتصاعد أكثر فأكثر، إذ يُلاحظُ أنّ إيمان الطّلّاب بالتّغيير ما زال قائمًا، وقد حاولوا فعل شيء ما لإعادة المفصولين، إلّا أنّ مصيرهم كان الإبعاد عن المدرسة أيضًا، وإنّ أكثر مّنْ كان سعيدًا لهذا الحزم هم المعلّمون غير الأكفّاء وهنا يوجّه الكاتب من خلال سطوره نقدًا لشريحة المجتمع غير المؤهّلةـ الّتي تمشي مع التّيّار  (مجموعة المدرّسين)، دون أي محاولة لإبداء مقاومة ما، وهذه هي الشّريحة ذات التّأثير الأكبر في تردّي حال المجتمع، إذ إنّها تجرّ الأجيال الصّغيرة إليها ليكونوا مغسولي الدّماغ ، يخافون من الحقّ، يخافون التّصدّي للظّلم) وتعطي الفرصة لبطش الفئة ذات القوّة التدميريّة -الّتي تتمثّل بالنّاظر الجديد)- على طبق من ذهب، إذ إنّ فئة المدرّسين لجمت أصحاب حقّ التّغيير، أولئك الّذين ظُلِموا قسرًا من جهة، وحاولوا التّغيير من جهة أخرى إلّا أنّهم مُنعوا من ذلك. يمكن الملاحظة أنّه كان للرّاوي نصيب في التّشاور، أمّا على أرض الواقع فلا علاقة له بالتّصدّي، إذ لم نره مرّة بين أولئك الّذين تمرّدوا وطُردوا، إذ يتّفق هذا كليًّا مع ما أشرت إليه سابقًا كون الرّاوي خاضعًا لا بطل، لا يُقدِمُ على أخذ الخطوة الأولى، لا يقاوم، ويكتفي بأن يأخذ نصيبا في الحوار، أمّا عن التّنفيذ فهو بعيد كلّ البعد. أخيرًا استتبّ...قبل النّهائيّة. يمكن القول هنا: إنّ الواقع قد فرض نفسه، إذ اعتاد الطّلّاب على رؤية الرّاية منكّسة، فبعد أن كانت فيما مضى سببًا للحماس والنّصر، أصبحت الآن سببًا للإحباط، الأمر الّذي جعلها تُتركُ مكانها. ولكن ما قد يُدخل الحيرة إلى نفس القارئ قول الرّاوي تعوّدنا؟ أبهذه السّرعة يعتاد المرء التّغيير ويألفه ليصبح جزءًا من حياته، والسّؤال الآخر اللّافت هنا؟ هل يجب للخضوع أن يؤطّر في إطار الاعتياد؟ هل ترك الرّاية هو الحلّ الصّحيح؟ هل التّخلّي وإفساح المجال أمام قوى الشّرّ أمر اعتياديّ؟ هل الذّلّ والخضوع اعتياد؟ وما يزيد الطّين بِلّة قوله تجاهلنا أخذها معنا، هل من السّهل تجاهل ما كان الأهمّ بالنّسبة لك بين ليلة وضحاها؟ الرّاية تبقى رمزًا، أمّا الحقيقة المرّة فهي الإذعان، وإلقاء اللّوم على الظّروف وعدم الوقوف في وجهها، فالرّاية هي نفسها، ولكنّ من تغيّر هو الرّاوي الّذي فضّل تركها ناسبًا هذا التّرك لظروف لم يقاومها.   في هذه المباراة...وخرجنا متعادلين أمام فريق أقلّ من مستوانا بكثير... يكمن الإحباط وتردّي الوضع من سيّء إلى أسوأ من خلال التّعابير الّاي انتقاها الكاتب لنسج هذه الفقرة، إذ إنّ الطّلّاب قد اعتادوا النّصر قبل مجيء النّاظر الجديد، أمّا في هذه المباراة قبل النّهائية فيلمَسُ تدنّي طموحهم، إذ تحوّل من طموح في الانتصار، ثمّ طموح في التّعادل، ثمّ طّموح في عدم الهزيمة، إذ صبّت النّتيجة في قالب التّعادل، وهنا لا بدّ من الوقوف عند مفهوم العزيمة والإصرار الّذي أخذ يتلاشى، إذ يمكن ربط ذلك مع أحداث القصّة وتداعياتها، إذا عدنا إلى بداية الأحداث فنجد أنّ الطّلّاب كانوا متشوّقين لرؤية النّاظر الجديد ومهاجمته إذا لزم الأمر، وقد برز ذلك في قول الرّاوي: "يؤدّبنا من أجل ماذا؟ ليأتِ وسوف نرى" من خلال هذا الاقتباس نجد أنّ الرّاوي ذا عزيمة في المواجهة، إلّا أنّ هذه العزيمة تدنّت بعد رؤية عصي المعلّمين، إذ أشار الرّاوي إلى ذلك بقوله: "قاومنا في البداية بسبب عدم التّعوّد، وبرغبة دفينة في التّمّرّد، لكنّ العصي في أيدي المدرّسين أجبرتنا على الانصياع" وهنا يُلاحظُ وجود عزيمة إلّا أنّ مقوّماتها تختلف، ومن المباراة يخرجون في تعادل أمام فريق أقلّ مستوًى من مستواهم بكثير. إنّ كلمة تعادل لها وقعها هنا، إذ نرى أنّ الفريق ما زال يرفض الاستسلام التّامّ والرّضوخ علنًا، ولكن هذا التّصريح ما هو إلّا تصريح شكليّ، إذ إنّ ترك الرّاية وعدم أخذها يعني ممّا وراء السّطور التّخلّي عن الاندفاعيّة والإصرار، وهنا لا بدّ من لفت الانتباه إلى أنّ ضمير الجماعة أصبح شكليًّا، إذ لإنّ أفكار كلّ لاعب وآخر كانت ذاتيّة، أضف إلى ذلك لو أنّ الجماعة كانت بمفهومها المعنويّ، لحصل تمرّد، وأُوْقِفَ النّاظر في مكانه، وكان بالإمكان ردعه.  تجدر الإشارة إلى حضور كلمة أقلّ حضورًا مهيمنًا، إذ إنّ التّرابط الجماعيّ قد قلّ، وبهذا إشارة واضحة إلى تلاشي المفهوم الجماعيّ إن كان بمفهوم النّصر الجماعيّ في لعبة كرة القدم، أو مقاومة الفريق الآخر.   وفي المباراة الأخيرة... والرّاية مرفوعة بلا حماس. يظهر توتّر الفريق واضحًا في مباراة الكأس النّهائيّة، وما زاد الطّين بِلّة هو أمرهم بأخذ الرّاية الّتي لم تعد تمتّ لهم بصلة، إذ خرج الفريق صامتًا منكسرًا خائفًا، بعدد أقلّ من المشجّعين، والرّاية مرفوعة بلا حماس.  يمكن القول إنّ الأحداث الحاصلة هنا هي نتيجة متوقّعة للأحداث السّابقة، إذ لإنّ ظلم المدير، وعدم إيجاد رادع يردعه كانت نتيجته إحباط فريق المدرسة.   ولعبنا بلا حميّة... لكنّي لم أفعل. تجدر الإشارة في هذه الفقرة إلى حضور ضمير المتكلّم المفرد "الأنا" حضورًا بارزًا، إذ يعترف بإضاعة أكيدة للهدف، ناسيًا إذا كان ذلك عمدًا أم صدفة. إنّ هذه الجملة من أقوى الجمل حضورًا في النّصّ وذلك بسبب قوّة دلالتها وربطها في مع مجريات الأحداث، وأوّل ما يلفت الانتباه هنا اختفاء لغة الجماعة وحضور لغة المفرد، ولهذا الأمر علاقة وطيدة بشخص المدير والمعلّمين الّذين كانوا سببًا مباشرًا في تفكّك الوحدة الجماعية، والاتّحاد بينهم وصولًا إلى تفرقتهم لمآرب شخصيّة. فها هو الفريق يخسر المباراة النّهائيّة، يشعر لاعبو الفريق بالحزن، الأمر الّذي يؤدّي إلى انزوائهم، مغلقين الباب على أنفسهم، يشعرون بالقهر والخجل، لينصرفوا فرادى ولشدّة وطأة الحدث لا يلحق الرّاوي بحبيبته نادية كما اعتاد أن يفعل سابقًا. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الرّوح الجماعيّة الّتي كانت في مستهلّ القصّة قبل تغيير النّاظر قد قلّت وطأتهاـ لينتقل الكاتب مخصّصا فقرة كاملة عنه وعن نادية (المثنّى)، منتقلًا في نهاية النّصّ إلى إبراز ضمير الأنا الفرديّ، وهذا يرتبط ارتباطًا ذا وقع خاصّ بالنّسبة إلى تسلسل أحداث القصّة، إذ استطاع النّاظر ذو الشّخصيّة المحطّمة أن يحطّم كل ّ من يحيطه، ويظهر ذلك في قول الرّاوي: “انصرفنا فرادى"، فالجماعة في قمّة حضورها في بداية القصّة تحوّلت إلى عزلة فرديّة في نهايته   وإن دلّ ذلك على شيء فيدلّ على ضعف شخصيّته (سأتطرّق في القسم الثّاني من التّحليل إلى الشّخصيّات وصفاتها ورمزيّتها). إضافة إلى ما ذًكر أعلاه يجب لفت الانتباه إلى جملة الرّاوي: "أنا شخصيًّا أضعتُ هدفًا أكيدًا، لا أدري كيف حدث هذا؟ لا أذكر إن كانت مصادفة أم تعمّدًا. إنّ هذه الجملة لا تقتصر على مفهوم مجريات لعبة كرة القدم، إنّما مدلولها أعمق من ذلك بكثير، إذ إنّ المقصود هنا هو أنّ الرّاوي قد أصبح في منزلة حساب النّفس بالنّسبة إلى عدم التّصدّي لبطش المدير، ولكن لا جدوى من ذلك الآن، إذ قد فات الأوان، وبردف الرّاوي واصفًا حزن اللّاعبين أمام الخسارة، إذ تعدّ في المستوى الأوّل خسارة الكأس، ولكنّ دلالة الأمر أعمق بكثير، فالخسارة الحقيقيّة هي خسارة الوطن الّذي أصبح تحت بطش المدير وسلطته. عنوان النّصّ: الرّاية والبراءة: إنّ مدلول العنوان يحمل بين طيّاته تأويلات عدّة، ففي التّأويل الأوّل نجد أنّ الرّاية هي العلم أو اللّواء، والبراءة تقود إلى براءة الأطفال، وقد ارتكز النّصّ على هذه المدلولات، إذ إنّ الطّلّاب بريئين كلّ البراءة، فهم لم يقوموا بشيء يُذكر، ولكن بالرّغم من ذلك، فقد عوقبوا أشدّ عقاب، إلى أن وصل بهم الوضع إلى الابتعاد عن الرّاية وعدم حملها للمباريات. وفي المستوى الثّاني يحمل العنوان بين طيّاته في الخطوط العريضة قضية الجماعة مقابل الفرد، إذ إنّ مدلول الرّاية يحمل بين طيّاته الاتّحاد والجماعة، فنجدها رمزًا لدولة ما، لفريق رياضيّ وغيرها، أمّا البراءة فهي فرديّة ذاتيّة لا تُقاس ولا تُقارن بين شخص وآخر، إذ إنّها تتفاوت من شخص إلى آخر، إن كان بين الأطفال أو غيرهم. وبما أنّ العنوان يجمع بين طيّاته كلمتين، الأولى من بينهما تفيد الجماعة والثّانية تفيد الفرد، فهذا ينطبق كليًّا مع مدلول الجماعة الّذي ظهر في بداية النّصّ، وتحوّل إلى فرديّة، إذ انطوى كلّ تلميذ وحده، أضف إلى ذلك أنّ الرّاوي بقي وحيدًا وابتعد عن الفريق وعن المدرسة وعن الرّاية وعن حبيبته. أمّا في المستوى الأعمق فهنالك مدلول آخر يتّصل مباشرة مع أحداث القصّة، إذ تعني كلمة البراءة الإعذار والإنذار، وقد ورد هذا المعنى في قوله تعالى في كتابه العزيز من سورة التّوبة آية 1. بسم الله الرّحمن الرّحيم "بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ"، إذ تتحدّث هذه الآية عن براءة الله ورسوله من المشركين، إذ إنّ هذه الآية تحمل بين طيّاتها الإنذار للمشركين، وإذا ربطنا مدلول الآية الكريمة مع النّصّ، نلاحظ أنّه عندما اختلف مفهوم الرّاية بالنّسبة للطّلّاب فورًا تبرأوا منها مقارنة مع الماضي إذ كانت حينها تعني لهم الكثير، هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى إنّ أحداث القصّة حملت بين طيّاتها إنذارًا وتهديدًا ووعيدًا ممّا أدّى إلى إعلان البراءة من الرّاية، بالضّبط كما هي الحال مع المشركين الّذين أُنذروا مرّات عدّة، وبالرّغم من ذلك بقوا في إشراكهم، وعندها تبرّأ الله عزّ وجلّ رسوله عليه الصّلاة والسّلام من جميع المشركين. أمّا في القصّة، فنلاحظ أنّ براءة الطّلّاب من الرّاية جاءت بعد تهديد النّاظر ووعيده.   وفي القصّة عندما أصبحت الرّاية تمثّل الطّغيان والاستبداد تركها الفريق مكانها، وقد أشار الرّاوي إلى ذلك بقوله: "ولهذا تجاهلنا أخذها معنا في المباراة التّالية قبل النّهائيّة"، ـأمّا في المباراة النّهائيّة فقد أمرهم النّاظر بأخذها عنوة، وهنا لا بدّ من ذكر النّقد الكامن بين السّطور، إذ إنّه كما ذُكِر آنِفًا كان بإمكان الطّلّاب والمدرّسين إحداث تغيير ملائم، ولكنّهم لم يبادروا بهذه الخطوة بسبب خوفهم الّذي لا مبرّر له. تجدر الإشارة إلى أنّ المتوقّع هو صد المدير وليس التّخلّي عن الرّاية (البراءة من المدير وليس من الرّاية).   نوع النّصّ الأدبيّ: يتبع هذا النّصّ إلى الضّرب الأدبيّ القصّة القصيرة، إذ تبرز عناصر القصّة القصيرة وأساليبها داخل النّصّ بدءًا من الشخصيات، الزّمكانيّة (الزّمان والمكان)، الحبكة وأسلوب الحوار. 

 النّاظر:  إنّ كلمة ناظر مشتّقة من الجذر ن.ظ..ر، إذ إنّ نظرة الإنسان من المفروض أن تكون إيجابيّة بنّاءة هادفة إلى تقدّم المجتمع، أمّا النّاظر في هذا العمل الأدبيّ ما هو إلّا بعيد كلّ البعد عن الصّفات الّتي من المهمّ أن تكون في شخصه، إذ نُعِتَ بالعديد من الصّفات السّلبيّة في مواضع عدّة من القصّة، وهذا إشارة إلى سلبيّته، وسلبيّة تأثيره في القصّة. المدرّسون:  شخصيّات رئيسة قلبت موازين النّصّ، إذ سمحوا للنّاظر الجديد أن يمدّ وطأة استبداده، فعلى الرّغم من أنّ المعلّمين هم الشّريحة المثقّفة الّتي عليها أن تنهض بالمجتمع وتقاوم من أجل بلوغ هدف العلوّ والارتقاء، إلّا أنّ ما بدا منهم كان عكس المتوقّع تمامًا، فقد سمحوا لبطش المدير واستبداده أن يدير مجريات الأمور وصولًا إلى نهاية تعيسة، فقد كان المتوقّع منهم دعم تمرّد التّلاميذ على الظّلم والوقوف في صفّهم، وكانت المفاجأة أنّهم أسكتوا أصحاب الحقّ وأعطوْا المجال لصوت الباطل أن يعلوَ.         الرّاوي:  شخصيّة رئيسة، مشارك، مشرف كلّيّ معلّق، لا بطل. لا اسم له. لقد ظهر الرّاوي مشاركًا في أحداث النّصّ في مواضع عدّة، فقد شارك في اللّعبة وشارك في مجمل أحداث القصّة، أمّا في مواضع أخرى فقد كان تحت فبّعة الرّاوي المشرف على الأحداث والمعلّق على قسم منها، إذ كان حبّه لنادية محرّكًا لفوزه في المباراة. ولكن تجدر الإشارة إلى أنّه من نهاية النّصّ تخلّى عن حبّه لنادية، وكذلك عن المباراة. أمّا في نهاية القصّة فيتأكّد القارئ من وجود الرّاوي تحت قبّعة اللّا بطل، إذ لم يحقّق شيئًا من أهدافه، بدءًا من أنّه لم يحرّك ساكنًا أمام بطش المدرّسين والنّاظر الجديد، حتّى إنّه لم يكن من أولئك العشرة الّذين حاولوا رفع صوت الحقّ والتمرّد، إذ لم يستطع التّغيير بالرّغم من أنّ الفرصة قد أُتيحت أمامه، إذ إنّه لم يستغلّ ذلك أبدًا، إنّما انجرّ وراء من قبِلَ التّهديد بالرّضى التّامّ. أضاع الهدف ولا يدري إن كان تعمّدًا أم صدفة.  لا بدّ من الإشارة إلى أنّه من سمات اللّابطل في الأدب هي عدم التّصدّي وكذلك التّخلّي، وفي نظرة سريعة إلى الوراء يمكن القول: إنّ هذا ما حصل مع الرّاوي، ففي البداية عاهد نادية على حبّهما، ونظر إلى الرّاية وإلى المدرسة واصفًا إيّاهما بقوله: " التفتّ أتأمّل مدرستي: كبيرة بمبناها، فسيحة بملاعبها، تقف شامخة مطلّة على نيل الصّعيد في اتّساعه، تُرفرف رايتها طوال الوقت، تستقبل الشّمس في شروقها وتودّعها في غروبها، هفهافة مع نسيم الشّمال.. وسوف نحتفظ لها بالكأس للعام الخامس على التّوالي.. ومع تسلسل الأحداث يقول الرّاوي: "تابعتها بنظري وهي ترتفع تدريجيًّا وفي بطء، رأيتها متهدّلة والهواء ساكن لا ترفرف مثلما عوّدتنا.. شعرت بغصّة تخنقني، وبدموع ساخنة تملأ عينيّ، فشاهدت هذه الرّاية متموّجة متآكلة الحوافّ ... وللتوّ أحسستُ بها غريبة عنّي". أمّا في نهابة القصّة فقد صرّح علنًا أنّه لم يلحق بنادية بالرّغم من كونها في بداية النّصّ المحرّك لأحداث القصّة، إذ لم يهدأ باله في بداية القصّة إلى أن رآها، فمن خلال هذه المفارقات الّتي ذُكرَت أعلاه يمكن القول: إنّ الرّاوي يتّسم بصفات اللّا بطل بوضوح. تجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ كون الرّاوي بلا اسم، وهذا الأمر يشدّ انتباه القارئ إلى أمرين: الأوّل من بينهما يتّصل مباشرة مع الّلا بطولة، فمن الممكن أنّ المؤلّف قد تعمّد عدم إعطاء الرّاوي اسمًا وذلك لحصره في زاوية اللّابطل، أمّا الأمر الثّاني فيمكن أنّ غاية المؤلّف من ذلك الإشارة إلى أنّ الكثيرين من الأشخاص مثله خصوصًا لو أخذنا القصّة على المستوى السّياسيّ، فكثيرون يتخلّوْنَ عن قيمهم وآرائهم ومبادئهم ولا يفعلون شيئًا ولا يبادرون إلى التّغيير ، وهذا بالضّبط ما حصل مع الرّاوي، فهو لم يحرّك ساكنًا.   الزّمكانيّة: بالنّسبة للزّمان، حدثت الأحداث في الماضي، أمّا المكان فلم يقتصر على مكان واحد بدءًا من الملعب الشارع، وصولًا إلى ساحة المدرسة، إنّ التّنوّع المكاني كان محرّكًا لأحداث القصّة، إذ إنّ لكلّ مكان كان دوره في تصوير الحدث. ولفت انتباه المتلقّي.    حبكة النّصّ: وهي تسلسل أحداث القصّة الّتي بدأت ببداية هادئة في فوز الفريق في مباراته، وصولًا على مجيء المدير الجديد الّذي استحوذ على طموح الطّلّاب وزرع فيهم الخوف دون سبب والعقاب دون ذنب، الأمر الّذي أثّر في نفسيّة الرّاوي، إذ لم يعارض هذه الشّحنة السّلبيّة، إنّما خضع لها تاركًا الرّاية والحبيبة على حدّ سواء، بدلًا من أن يتعلّق بهما. إذ كلّ من نادية والرّاية قد كانتا الأهمّ بالنّسبة له، ولكنّه سرعان ما تخلّى عنهما منكسرًا أمام الظّروف. أسلوب الحوار: ظهر أسلوب الحوار الخارجيّ (الدّيالوج) في مواضع عدّة بين الشّخصيّات، إذ هدف إلى كسر الرّوتين السرديّ وجموده، إضافة إلى حضور الحوار الدّاخليّ (المونولوج) أيضًا في قوله:  "فكيف عرف النّاظر الجديد؟ لا بدّ أنّ بيننا وشاة أبلغوه، فمن يكونون؟ إنّ الحوار الدّاخليّ يكشف أفكار الشّخصيّات جالبًا التّشويق للقارئ من أجل تتبّع الأحداث.   المغزى: يهدف هذا النّتاج الأدبيّ إلى إلقاء الضوء على ما يسمّى الكبت وكتم الأفواه، إذ بالفعل ما حدث مع الطّلّاب هو كمّ للأفواه، وفسح المجال أمام راية الباطل أن ترفرف وكبت راية الحقّ وجعلها منكّسة. والأصعب من هذا الرّضوخ أمام الوضع الرّاهن دون تحريك ساكن.    ومن هنا لا بدّ الإشارة إلى المدلولات الرّمزيّة الّتي حملتها الشّخصيّات: الطّلّاب: ترمز فئة الطّلّاب إلى شباب طامحين يسعوْن إلى التّغيير من جهة، ويهابونه من جهة أخرى. هم مثال لفئة النّاشئة من الشّعب الّتي تطمح في التّقدّم وإحراز الأهداف المرجوّة. ولكنّها ترضخ للواقع القاسي، وعلى أثر ذلك تتحطّم آمالها قبل أن تبدأ. النّاظر: يمثّل النّاظر فئة الأشخاص المستبدّين باطلَا، ولا يعرفون للحقّ عنوان، كما أنّه مثال حيّ للسّلطة الّتي تفضّل فرض سيطرتها مستغلّة الشّعب، لتحقيق مبتغاها ومآربها، دون اكتراث لكيف يكون ذلك، المهمّ أن يصل هدفه. المدرّسون: يرمز المدرّسون إلى الأشخاص الّذين يقبلون البطش والقسوة دون اعتراض. إذ إنّ هذه الفئة تعدّ أسوأ فئات المجتمع على الإطلاق، فمن جهة هي الفئة الّتي ترى فيها الشّرائح الأضعف ملاذَا للتّغيير والتّقويم، ولكنّها سرعان ما تخذل كلّ مَن يثق بها. كذلك فهم يمثّلون حلقة الوصل بين السّلطة والشّعب، إلّا أنّهم وبسبب خوفهم من السّلطة يفضّلون دعم السّلطة بدلًا من إيجاد حلّ يربط بين الطّرفين تحت راية الاتّفاق والوفاق. أضف إلى ذلك إنّ المدرّسين بتصرّفهم هذا قد قلبوا موازين النّصّ نحو السّلبيّة والإذعان والخضوع، بالرّغم من كونهم أولئك الّذين يملكون إمكانيّة التّغيير. فكانت المفاجأة في تصرّفهم.   الميزات الأسلوبية داخل القصّة: الحال: اغتنت القًصّة بأسماء تعبّر عن الحال، إذ إنّ حال الرّاوي وزملائه تبدّلت خلال مجريات الحدث. الوصف: برز الوصف من خلال وصف المباراة، المدير، دور المدرّسين في إسكات الطّلّاب وفي مواضع أخرى كثيرة هادفًا الكاتب من وراء ذلك تقريب القارئ من النّصّ. وإعطاء الحدث حسّا ديناميكيًّا.   هبطت عيناي: استعارة هدف من خلالها بيان قيمة حبيبته بالنّسبة له. إذ بحث عنها بين الملأ إلى أن وجدها.    السؤال الإنكاريّ يؤدّبنا من أجل ماذا؟ كيف عرف النّاظر الجديد؟ فمن يكونون؟  إنّ هدف هذه الأسئلة إبراز حيرة الرّاوي بالنّسبة لما يحدث.   تقف شامخة مطلّة- تشخيص.   تستقبل الشّمس- استعارة   النّفي لا نرتكب- الهدف التّأكيد على إيمان الرّاوي التّامّ بأنّه لم يرتكب ذنبًا.   لا يبتسم لا يعرف الرّحمة - الهدف التّأكيد على أوصاف النّاظر الجديد.   تملّكني انقباض مبهم عصر قلبي حزنًا – كناية عن شدّة الحزن. حبيس مكتبه- كناية عن ضعف شخصيّته، فبدلًا أن يتقرّب من الطّلّاب وضع نفسه حبيسًا بين الجدران. تولّت عصيهم اسكاتنا – كناية عن البطش والقسوة   التّوكيد إنّ زملائي تعمّدوا ذلك الحزن يصبغ نظراتنا ويلجم ألسنتنا- كناية عن حزنهم الشديد   السّمات السّياسيّة داخل النصّ: إنّ هذه القصّة هي قصّة اجتماعيّة من الطّراز الأوّل، ولكن يمكن تحليلها تحليلًا سياسيًّا كذلك، إذ يرمز تغيير حال التّلاميذ إلى تغيير نوع الحكم، والذّهاب إلى الوجهة الاستبداديّة. فالمدير الأوّل كان متعاطفًا محبًّا لطلّابه، أمّا الجديد فهو العكس تمامًا، فبفضل المدير الأوّل كسب التّلاميذ حرّيتهم، أمّا عند مجيء المدير الجديد انعدمت الحريّة وصولًا إلى استعلاء واستبداد غبر مفهوم.   قصّة الإطار: تدمج قصّة الرّاية والبراءة بين قصّتيْن، الأولى وهي الرّئيسة الّتي أوحت بروح الجماعة وبلوغ الهدف بسبب الحنان الأبويّ الّذي تلقّاه الطّلّاب من المدير القديم، أمّا عند قدوم المدير الجديد القاسي، فيدخل القارئ في حيثيّات قصّة أخرى، أدّت بالطّلّاب خسارة الكأس وخسارة الرّاية وخسارة الرّوح الجماعيّة، والاتّجاه نحو الانفراد والعُزلة.   

إعداد المعلّمة: أريج حسّون                                        


[1] حيدر جمال، الغجر ذاكرة الأسفار وسيرة العذاب، المركز الثّقافيّ العربيّ 2008 



تم عمل هذا الموقع بواسطة