2 قراءة دقيقة
15 Nov
15Nov

أعزّائي متصفّحي الموقع: إذا كنتم تستفيدون من هذا الموقع ومن أجل استمراره في خدمتكم نرجو التبرّع للموقع على حساب رقم: 205327840
فرع رقم 1
بنك رقم 18
وبارك الله بكم

أراك عصي الدمع.doc

أراك عصي الدمع" لأبي فراس الحمدانيّ

أرَاكَ عَصِيَّ الدّمعِ شِيمَتُكَ الصَّبْرُ،           أما للهوى نهيٌ عليكَ ولا أمرُ ؟

بلى أنا مُشتاقٌ وعنديَ لوعة ٌ،             ولكنَّ مثلي لا يذاعُ لهُ سرُّ

إذا الليلُ أضْواني بَسَطْتُ يَدَ الهوى       وأذلَلْتُ دَمْعًا مِنْ خَلائِقِهِ الكِبْرُ

مُعَلِّلَتي بالوَصْلِ، والموتُ دونَهُ،          إذا مِتُّ ظَمْآناً فَلا نَزَل القَطْرُ!

وَفَيْتُ، وفي بعضِ الوفاءِ مذلة ٌ             لآنسة ٍ في الحَيِّ شيمَتُها الغَدْرُ

تُسائِلُني:"مَنْ أنتَ"؟، وَهْيَ عَليمَة ٌ          وَهَلْ بِفَتًى ًمِثْلي عَلى حَالِهِ نُكْرُ؟

فقُلْتُ،كما شاءتْ، وشاءَ لها الهوى        :قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيُّهُمْ؟ فَهُمُ كُثْرُ

فَقُلْتُ لها: " لَوْ شِئْتِ لمْ تَتَعَنَّتي،         وَلَمْ تَسأَلي عَنِّي وَعِنْدَكِ بِي خُبْرُ!

فقالتْ: "لَقَدْ أزْرى بِكَ الدَّهْرُ بَعْدَنَا"!      فَقُلْتُ: "مَعاذَ اللَّهِ! بَلْ أنْتِ لاِ الدَّهْرُ

أُسِرْتُ وما صَحْبِي بِعُزْلٍ، لدى الوَغَى،     ولا فَرَسِي مُهْرٌ ، ولا رَبُّهُ غَمْرُ

ولكنْ إذا حُمَّ القَضاءُ على أمْرِىء ٍ      فَلَيْسَ لهُ برٌّ يَقيهِ، ولا بَحْرُ

وقالَ أُصَيْحابي: "الفرارُ أوِالردى؟"     فقُلتُ: هُمَا أمرَانِ، أحلاهُما مُرّ

وَلَكِنّني أمْضِي لِمَا لا يَعِيبُني،             وَحَسبُكَ مِنْ أمرَينِ خَيرُهُمَا الأسْرُ

يقولونَ لي: "بعتَ السَّلامة َ بالرَّدى      "فَقُلْتُ: أمَا وَاللّه، مَا نَالَني خُسْرُ

سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ،         " وفي اللَّيْلَة ِ الظَّلْماءِ، يُفْتَقَدُ البَدْرُ "

وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا،                لَنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أوِ القَبرُ

تَهُونُ عَلَيْنَا في المَعَالي نُفُوسُنَا،             وَمَنْ خَطَبَ الحَسْناءَ لَمْ يَغْلُها المَهْرُ

مناسبة القصيدة:

هذه إحدى العشر الطوال لأبي فراس،  وقد نظّمها في أسره لمّا بلغه أنّ الروم يمنّون عليه أن خلّوا عليه ثيابه وأنّهم قالوا ما أسرنا أحدا إلا نزعنا عنه سلاحه ما عدا أبي فراس.
فالقصيدة من أوائل الروميات، قيلت منه في حصن خرشنة قبل أن يُنقل الى القسطنطينية
وقبل أن يستبد به اليأس من الفدية والعتاب على ابن عمه سيف الدولة وقومه بني حمدان .
فارق الشاعر وطنه وأهله وأحبابه وفارق مع هذا كله والدته، ففاضت نفسه بالأسى والحزن وانتقلت هذه العواطف الجياشة الى رومياته تعبر بصدق عما يجول فى نفسه وكانت عاطفته فى هذه القصيدة وفي جميع رومياته، صادقة تدور حول الذكرى والأشواق والوحشة فى الغربة والأسر.
أسلوب أبي فراس فى هذا النص سهل يتدفق من ينبوع وجدانه بعذوبة ولين وسهولة وانسجام، وقد تذهب به الشكوى أحيانا مذهب اللوم الشديد. وإذا خاطب أصدقاءه أسدى اليهم النصيحة وطلب منهم التجمل بالصبر مع العتاب على قلة وفاء بعضهم له أحيانا.
فهو في اشتياق، لوعة، غربة، عتاب، تبرير، فخر واعتزاز، ومع كل ما يساوره من نفسية ضاق بها ذرعا، إلا أنه يبرر الأسر بما يناسبه من موقف بطوليّ لا انهزامي، وهكذا استطاع أن يرسم مشاعر أسير غريب بلوحة رائعة لا نظير لها.

ألم يقل فيه العالم النحوي اللغوي ابن خالويه أبو عبدالله الحسين الذي نهض بجمع ما تيسّر له من شعر أبي فراس شارحا ومحققا بسطور تكشف عن عمق تقديره وحجم إكباره لشاعرية أبي فراس، واصفا إياه، بأنّه "صاحب الشرف السامي والحسب النامي والفضل الذائع والأدب الرائع والشجاعة المشهورة والسماحة المأثورة"

شرح الأبيات

المقطع الأول: ألمٌ وحنينٌ وإباءٌ

  • عصي الدمع: ممتنع عن البكاء، وعكس عصي طيِّع، ويقصد صابر لا تشتكي. شيمتك: خلقك وطبعك. أما للهوى: أليس للهوى. يتخيل الشاعر شخصا(جرَّدَ شخصا من داخله) يخاطبه قائلا: أراك لا تبكي وتعتصم بالصبر وليس هذا أهل الهوى، فكأنّ الهوى ليس له عليك سلطان.
  •  بلَى: حرف جواب للإثبات. لوْعة: حُرقة من الشوق.يُذاع: ينشر. يجيب الشاعر في هذا البيت الشخص الذي سأله في البيت الأول فيقول له: نعم أنا من أهل الهوى، ومشتاق وعندي صبابة قوية، إلا أنّني أكتم ما في نفسي فلا أبوح به بالدموع لئلا يطّلع عليه الناس، ومن كان مثلي، صاحب إرادة قوية قادرا على كتمان أسراره، فلا يذاع له سر أبدا.
  •  أضواني: ضمني وخيّم علي وأهزلني. بسطت: مددت عكس قبضت. أذللت دمعا: أخضعته أي بذلته. خلائقه: صفاته، مفردها خليقة. الكِبر: الإباء والعزة. إنني أبكي عندما يلفني الظلام وحيدا، وقد غمرني الهوى بذكرياته ولوعاته، فأبكي دمعا عزيزاً على الرغم من أن طبع صاحبه الرفعة والكبر.

المقطع الثاني: حبٌّ وغدرٌ

  •  معللتي: ممنِّيتي موهِّمتي وقد تكون معللتي منادى أو خبر لمبتدإ محذوف تقديره أنتِ أو هيَ. الوصل: اللقاء، عكس الهجر والقطيعة. دونه: قبله، مانعُهُ. ظمآنا: عطشان. القطر: المطر.  إنكِ تَعِدينني بالوصل لتخففي من تباريح الهوى، وأنت ترين أن الموت سيقع قبله، فإذا مت فلا نزل خير على أحد بعدي، ولا هنئ محبان.
  • آنسة: الفتاة لم تتزوج وجمعها أوانس وآنسات. لقد كنت وفياً في حبي لهذه الآنسة الغادة وإن كان الوفاء فيه مذلة للعاشق على الرغم من أن طبع هذه الحبيبة الغدر.

المقطع الثالث: حوارٌ وعتابٌ

  • نكر: جهل. تسألني: من أنت؟ وهي تعلم، وهل فتى على حالي من الشهرة أو اللوعة يُجْهَلُ ولا يُعْرَفُ؟
  • الهوى: الحب ولكن الميل هنا أقوى للمعنى أي يقصد ما تميل هي إلى سماعه.  أجبتها بإرادتها وإرادة هواها: أنا قتيلك، قالت أيُّ واحدٍ منهم، فهم كثيرون؟
  • تتعنتي: تتشددي وتتصلبي. خبر: علم ومعرفة.  قلت لها: إذا أردتِ، لم تسأليني عن شيء يشق عليكِ، ولم تسألي عني وعندكِ بي علم.
  • أزرى: هوّن وحقّر. قالت لقد حقرك الدهر، فقلت معاذ الله بل أنتِ لا الدهر. وفي الأبيات السابقة يورد الشاعر صفات المحبوبة: تعلله بالوصل وتمنيه به أي توهمه به فقط، غادرة والغدر من طبعها، منكرة له لكثرة عشاقها، تترفع وتأنف عن البوح بما تعلمه عنه ، وقد جعلته سخرية للدهر وهزوا له يناصبه العداء كيف يشاء.

المقطع الرابع: تبريرُ الأسر

  •  عُزْل: مفردها أعزل وهو من لا سلاح له. غمر: جاهل وغير مجرَّب. لقد أسرت في ساحة المعركة، وما كان أصحابي لا يحملون سلاحا، بل هم حولي، وما كان جوادي مهرا ً غير مدرب، وما كان فارسه قليل الخبرة في ركوبه.
  •  حم القضاء: قُضِيَ. ولكن إذا اشتد القدر على الهلاك.. فليس للإنسان عندها ما يحميه من القضاء في البر أو في البحر.
  •  وقال لي اصحابي في المعركة بعد أن أصبت: إما أن نحملك ونفرّ فننجو وإما أن نلبث فنموت، فقلت لهم: الفرار نجاة ولكنه جبن ومر المذاق، والرّدى فيه الهلاك وكلا الأمرين مرٌّ.
  •  تركتُ ما يعيبني، وهو الفرار وفيه النجاة، واخترتُ الوقوع بالأسر، وإن كان فيه الذلة والضعف. وهنا يصف الشاعر الخيارات الثلاثة: الفرار، الردى والأسر، أما هو فقد اختار الأسر لأنه أفضل من الفرار وأسلم من الردى والموت.
  •  بعت: اشتريتَ. ويقول أصحاب الرأي: لقد آثرت السلامة على الردى فقلت لهم: ما خسرت شيئا من قيمتي، فالأسر ثبات وجرأة وإقدام وشرف يتوجـّني.

المقطع الخامس: فخرٌ وعَزاءٌ

  •  سيذكرني قومي حين يجدون في المواجهة أمرا عظيما ألم بهم، فإن المسافر أحوج ما يكون للبدر في الليلة الكاملة الظلام. سيذكرني قومي حين اشتداد المعارك، لأن البدر لا يفتقد إلا في الليلة الظلماء وربما يشير الشاعر هنا الى طول المدة واستبطاء افتدائه من الروم .
  •  ونحن قوم سادة لا نقبل بالتوسط فإما أن تكون لنا السيادة والرأي أو الموت الذي نعتز به.
  •  إنَّ دماءنا ترخص من أجل شرفنا و رفعتنا، لأن من خطب الفتاة الحسناء يسترخص مهرها مهما زاد أو ارتفع.  وفي هذا البيت يفخر الشاعر بنفسه وبقومه فهم سادة ويدل هذا البيت على امتلاكهم الرغبة في التضحية بنفوسهم من أجل المعالي.

شكل وأسلوب:

  •  قوله: "فلا نزلَ القَطْرُ": أسلوب خبري لفظاً إنشائي معنى غرضه: الدعاء على المحبين بعدم اللقاء وبالتالي حرمانهم من السعادة مثله.
  •  استعمال التجريد بقوله:" أراك عصي الدمع…ولا أمر" وقد استخرج الشاعر شخصا من داخله يحاوره، وذلك بغرض الاستئناس والترفق بالنفس واللين والتعزية وإزالة الوحشة واستحضار لضمير يُتَسَلَّى به.
  •  قوله:" مَنْ أنتَ" أسلوب إنشائي استفهام للاستغراب وإظهار التجاهل.
  •  قوله:" معللتي…. القطرُ" تشبيه ضمني، صور المحروم من لقاء حبيبته بالظمآن المحروم من الماء لتضخيم معاناته.
  •  قوله:" وفي بعض الوفاء مذلة" جملة اعتراضية، فإنه يقصد أن الوفاء عامة ليس بمذلة إلا في بعضه، وقد جاء الاعتراض على شكل حكمة رائعة.
  •  قوله:" الوفاء" و "الغدر" ، وقوله:"عليمة" و "نكر" طباق وغرضه: إبراز المؤتلف والمختلف ليتمكن الذهن من اختيار أحدهما، إبراز الفجوة ما بين أمرين، أظهار الخيارين الاثنين وأن على المتلقي اختيار أحدهما بحيث يثبت الطباق اثنينية الصفات والطبائع، بينما على المتلقي اختيار أحد الوجهين المتقابلين، تمايز أحد الأطراف على الآخر، تفاضل أحدهما على الاخر، تداني أحدهما من الآخر، تفاوت بينهما، إثبات حقائق واقعية بالمنطق المدلي بالرأي ونقيضه، استقصاء المتبادر للذهن في أمرين والتخيير بينهما.
  •  كثرة الجمل الخبرية: في مثل قوله:" شيمتك الصبر"، "أما للهوى نهي عليك"، "أنا مشتاق"، "عندي لوعة"، "مثلي لا يذاع له سر"، "الموت دونه"، في بعض الوفاء مذلة"، "شيمتها الغدر"، "من أنتَ"، "هي عليمة"، "قتيلُكِ"، "ما صحبي بعزل"، " لا فرسي مهر"، " لا ربُّهُ غَمر"، "ليس له بر يقيه"، "الفرار أو الردى"، هما أمران"، "أحلاهما مر"، "في الليلة الظلماء يفتقد البدرُ"، "نحن أناس"، "لا توسطَ عندنا"، "لنا الصدر"، "من خطب الحسناء لم يَغلُها المهرُ"، والغرض من ذلك: الإفادة المحكمة بالمقاصد، تقديم المعرفة والعلم للمتلقي، علم ويقين المخبِر بالحكم المراد من الإخبار، تقصير الجمل لتتخذ زي الوعظ السلس للحفظ، الإفصاح عن علم المخبِر وترك الحكم على أقواله للمتلقي وفي ذلك إسقاط للواجب الخطابي من أداء الرسالة وإلقاء المسؤولية في وعيها على المتلقي.
  •  قوله:" "وهَلْ بِفَتًى مِثْلِي على حَالهِ نُكْرُ"  استفهام للنفي والإنكار، وفيه كناية عن شهرته المؤكدة .
  •  قوله:"فتى" جاء نكرة لإفادة التعظيم والتهويل.
  • قوله: "عصي الدمع" استعارة مكنية، فقد شبه الممتنع عن الدمع بالإنسان العاصي، وقوله:"أما للهوى نهي عليك" استعارة مكنية، فقد شبه الهوى بإنسان يـمر وينهى. وقوله:" إذا الليل أضواني" استعارة مكنية، فقد شبه الليل بإنسان يضني ويضعف ويستحوذ على غيره. وقوله:" بسطت يد الهوى" استعارة مكنية، فقد شبه الهوى بإنسان مدّ يده ليفيض بما عنده. وقوله:" أذللت دمعا من خلائقه الكبر" استعارة مكنية، فقد شبه الدمع بإنسان أبيّ لا يهون عليه فعل الأمر الذي لا يرغب به. وقوله:" شاء لها الهوى" استعارة مكنية تشخيصية، فالشاعر يشبه الهوى بإنسان يستجاب إلى رغباته وإراداته. وقوله:" لقد أزرى بك الدهر" استعارة مكنية، فقد شبه الدهر بإنسان يحقّر ويهوّن الآخرين ويُذلّهم. وسر جمال الاستعارة هنا: جعل المعنى أكثر حركة، ثراء، دلالة، وابقاء أثر، اشتباك الحركة الفكرية بالحركة النفسية لإنتاج حركة كلية، وتوخي التجاوب والاستجابة مع المعاني.
  • قوله:" أيهم؟" استفهام يفسد التكثير والمبالغة والتجاهل.
  • اعتماد الحوار: ما بينه وبين نفسه، ما بينه وبين المحبوبة وما بينه وبين الرفاق في الحرب، والغرض من الحوار: ومن أهم أغراضه: التعبير عن المواقف، التخفيف من السرد، رسم الشخصيات، تصوير موقف درامي، إضفاء الواقعية، الإيحاء لما بعده، التمهيد لحدث ما، رسم نفسية الشخصيات.
  • اعتماد المناجاة والمونولوج الداخلي: بقوله:" سيذكرني قومي …. لم يغلها المهر" والغرض من المناجاة: ترجمة لفكر الشخصيات، تصوير صراعاتها، تنحي الراوي، الإدلاء بما يفيد عن ملامح الشخصية الخفية، يطلعنا على نفسية الشخصية وعلى جوانب غامضة فيها ويفصح أو يلمح لما قد يحدث أو يُتوقع حدوثه.
  •  اعتماد الاسترجاع الفني: حين روى ملابسات وقوعه في الأسر، والغرض من ذلك: الإدلاء بمعلومات ماضوية تفيد الحركية والدرامية الحدثية، ربط أحداث ماضوية بآنيّة، تبرير ما يحدث بما قد حدث، ربط قصة بقصة، تعالق نسيج بنسيج، اكتمال الصورة عن الشخصية، خلق التساؤلات حول الحدث المستَرجَع وتأجيل الإجابة عما استُرجِع.
  •  الاستدراك والاستئناف: وقد ورد في مواضع مثل قوله:" لكن مثلي لا يذاع له سر"، "معاذ الله بل أنت لا الدهر"، " وما صحبي بعزل"، "ولكن إذا حم القضاء"، "فقلت هما أمران.."، "ولكنني امضي"، " فقلت: أما واللهِ ما نالني خسر"، والغرض من ذلك: رفع التوهم من الكلام السابق كأنه يستثني ما لحق مما سبق وكأنه من باب التراجع فقد ينفي السابق وقد يؤكده بما تبع وفيه من النقض والإبطال وإزالة الاحتمال
  •  قوله"الفرار أو الردى؟" استفهام يفيد التخيير وذلك لإفادة الحيرة والتردد والموقف الضنك.
  •  التصغير في "أصيحابي" جاء لسببين: إما تحقيرهم لأنهم نبذوه، أو لأنهم قلة، فقد لاذ الجميع بالفرار ولم يبق منهم إلا القليل، ولعل الدليل على فرارهم وتخليهم عنه فلقوله في بيت سابق:"صحبي"، وكان ذلك أثناء المعركة، ولكن في مرحلة متقدمة منها قلّوا وتناقصوا.
  •  قوله:" وفي الليل الظلماء يفتقد البدر" تناصٌّ لقول عنترة:" سيذكرني قومي إذا الخيل أقبلتْ ** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ" وقد استعان الشاعر بهذا التناص للتمثل بشخصية عنترة الفارس المغوار الذي لا غنى لقومه عنه في اشتداد الأزمات، والتشبه بعنترة المثل الأعلى للفروسية، خاصو وأن البيت تشبيه ضمني، وكأن الشاعر يقول :" أنا عنترة"
  •  القافية مطلقة:  قالرّاء المتحركة تضفي امتدادا نفسيا طويلا، ونفسا طويلا، وآهات مستديمة، خاصة وأنها جاءت مضمومة لما في الضمة من ثقل ورزء، ووزر وعبء، وذلك بغرض الإفضاء عن نفسية كأداء.
  • التكرار وصوره في القصيدة: تكرار لفظي في مثل قوله:" شيمتك" بيت 1 و "شيمتها" بيت 5 ، "للهوى" بيت 1 و "الهوى" بيت 7  و "الدهر" صدر بيت 9 و "الدهر" عجز بيت 9 و "صحبي" بيت 10 و "أصيحابي" بيت 12 و "الردى" بيت 12 و "الردى" بيت 14. وتكرار معنوي في مثل قوله:" شيمتك" بيت 1 و "خلائقه" بيت 3 و "مشتاق" بيت 2 و "عندي لوعة" بيت 2 و "الموت" بيت 4 و "الردى" بيت 12 و "مذلة" بيت 5 و "تهون" بيت 17. وقد جاء التكرار هنا لدمج القصيدة وسبكها وصبّها في قالب نفسي واحد فيه من متضمَّنات التكرارات الواردة مجملا واحدا يعبر عن الحرقة واللوعة والمعاناة الشديدة، وليصف لنا الجو السائد في النص وصفا ملتحم الروح والنفْس والنفَس، ولجعل القصيدة تبقائية الشكل والمضمون لما يخيم عليها من جو الاكتئاب والأسى والحزن والألم والإباء في آن واحد، بالإضافة إلى ما يضفيه التكرار على القصيدة من التشديد، التوكيد والترديد والتجديد والموسيقا والانفعال النفسي وللتهويل والتعظيم وترسيخ المعاني وتذويتها في النفوس للتعبير عن حالة نفسية معينة.
  • التشبيه الضمني في البيت" تهون علينا…لم يغلها المهر" فصورة طلبهم للمجد والمعالي واسترخاص نفوسهم لأجل ذلك، كصورة طالب الحسناء التي لا يغلوها مهر مهما بلغ، وذلك لتذويت المعنى المقرَّب من النفس ولتشبيهه بما هو في درجته ومن منزلته.
  •  الطباق والمقابلات المعنوية: في مثل قوله:" نهي" أمر" بيت 1، "يذاع" "سر" بيت 2، "أذللت" "الكبر" بيت 3، "ظمآنا" "القطر" بيت 4، "الوفاء"  " الغدر" بيت 5، "عليمة" "نكر" بيت 6، "بر" "بحر" بيت 11، " الفرار" " الردى" بيت 12، "أحلاهما" "مرّ" بيت 12، "السلامة" "الردى" بيت 14، "الصدر" "القبر" بيت 16، "تهون" "المعالي" بيت 17. والملاحظ أن الطباقات والمقابلات إنما تعبر هنا عن اضطراب نفسي وعدم استقرار عاطفي، وتحسر على ما كان وتفجع لما هو كائن، وإبراز المؤتلف والمختلف ليتمكن الذهن من اختيار أحدهما، إبراز الفجوة ما بين أمرين، أظهار الخيارين الاثنين وأن على المتلقي اختيار أحدهما بحيث يثبت الطباق اثنينية الصفات والطبائع، بينما على المتلقي اختيار أحد الوجهين المتقابلين، تمايز أحد الأطراف على الآخر، تفاضل أحدهما على الاخر، تداني أحدهما من الآخر، تفاوت بينهما، إثبات حقائق واقعية بالمنطق المدلي بالرأي ونقيضه، استقصاء المتبادر للذهن في أمرين والتخيير بينهما.
تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
تم عمل هذا الموقع بواسطة